في مسجد بني الديل، في الثنيّة، فلما سلّم استسقى، فسقته رَبيحة بنت أبي شاكر القرشية، ثم قالت له: جعلت فداك انجُ بنفسك، قال: إذًا لا يبقى بها ديكٌ يصرخ؛ ثم مضى فلما كان ببطن مسيل سلْع، نزل فعرقبَ دابته، وعرقب بنو شجاع دوابهم، ولم يبق أحد إلا كسر غِمْد سيفه، قال مسكين: فلقد رأيتُني وأنا غلام، جمعت من حَليها نحوًا من ثلاثمئة درهم؛ ثم قال لهم: قد بايعتموني ولستُ بارحًا حتى أقتَل، فمن أحبّ أن ينصرف فقد أذنتُ له، ثم أقبل على ابن خُضَير، فقال له: قد أحرقتَ الديوان؟ قال: نعم، خفت أن يؤخذ الناس عليه؟ قال: أصبت.
حدثني أزهر، قال: حدّثني أخوَاي، قالا: لقد هزمْنا يومئذ أصحاب عيسى مرتين أو ثلاثًا، ولكنا لم نكن نعرف الهزيمة؛ ولقد سمعنا يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، يقول، وقد هزمناهم: ويل أمه فَتْحًا لو كان له رجال!
حدثني عيسى، قال: كان ممّن انهزم يومئذ وفرّ عن محمد عبدُ العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فأرسل محمد وراءه، فأتِيَ به، فجعل الصبيان يصيحون وراءه:"ألا باقة بقبقبة"، فكان عبد العزيز يقول بعد ذلك: إن أشدّ ما أتى عليَّ لصياح الصبيان.
وحدّثني عيسى، قال: حدّثنا مولى لهشام بن عُمارة بن الوليد بن عديّ بن الخيار، قال: كنا مع محمد، فتقدّم هشام بن عُمارة إليه وأنا معه، فقال: إني لا آمن أن يخذُلك مَنْ ترى، فأشهد أنّ غلامي هذا حرٌّ لوجه الله إن رمتُ أبدأ أو تُقتَل أو أقتَل أو نُغلَب؛ فقلت: فوالله إنّي لمعه إذ وقعت بترسه نشابة، ففلقته باثنتين، ثم خسفت في درْعه، فالتفت إليَّ فقال: فلان! قلت: لبيك؟ ! قال: ويلك! رأيتَ مثل هذا قطّ يا فلان! أيما أحبّ إليك؛ نفسي أم أنت؟ قلت: لا بل نفسك، قال: فأنت حرّ لوجه الله، فانطلق هاربًا.
وحدّثني متوكل بن أبي الفحوة، قال: حدّثني محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن أبي فرْوة، قال: إنَّا لعلى ظهر سلْع ننظر، وعليه أعاريب جُهينة، إذ صعد إلينا رجل بيده رُمْح، قد نصب عليه رأس رجل متّصلٌ بحلقومه وكبده وأعْفَاج بطنه، قال: فرأيتُ منه منظرًا هائلًا، وتطيّرت منه الأعاريب، وأجفلت هاربة حتى أسهلت، وعلا الرّجُل الجبل، ونادى على الجبل رطانة لأصحابه