في اليوم الذي اتّعدوا له: وكان ذلك اليوم يسمى الزَّحْمَة؛ فاعترضهُم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتٌّ له، فوقف على باب الدار، فلما رأوْه واقفًا على بابها، قالوا: مَن الشيخُ؟ قال: شيخٌ من أهل نَجْد، سمع بالذي اتّعدتم له، فحضر معكم ليسْمَعَ ما تقولون، وعسى ألّا يعدمكُم منه رأي ونُصحٌ، قالوا: أجَلْ، فادخُلْ، فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش كلّهم، من كلّ قبيلة؛ من بني عبد شمس شَيبة وعُتْبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نَوْفل بن عبد مناف طُعَيمَة بن عديّ وجبير بن مُطعِم والحارث بن عامر بن نوفل، ومن بني عبد الدار بن قُصَيّ النَّضر بن الحارث بن كلَدَة، ومن بني أسَد بن عبد العُزّى أبو البختريّ بن هشام وزَمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حِزام، ومن بني مخزوم أبو جهل بن هِشام، ومن بني سهم نُبيه ومُنبِّه ابنا الحجاج، ومن بني جُمَح أميّة بن خلَف؛ ومَنْ كان معهم وغيرهم ممن لا يُعدُّ من قريش.
فقال بعضُهم لبعض: إنّ هذا الرجلَ قد كان أمْره ما قد كان وما قد رأيتم؛ وإنّا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمَنْ قد اتّبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيًا؛ قال: فتشاوروا. ثم قال قائلٌ منهم: احبسُوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابا، ثمّ تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين قبله: زُهَيرًا، والنّابغة ومَنْ مضى منهم؛ من هذا الموت حتى يصيبَه منه ما أصابهم.
قال: فقال الشيخُ النجديّ: لا والله، ما هذا لكم برأي؛ والله لو حبستموُه -كما تقولون- لخرج أمرهُ من وراء الباب الذي أغلقتمُوه دونَه إلى أصحابه؛ فلأوشكوا أن يثبُوا عليكم فينتزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم حتى يغلبوكم على أمركم هذا؛ ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره.
ثم تشاوروا، فقال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا فنَنفيه من بلدنا؛ فإذا خرج عنّا فوالله ما نبالي أين ذهبَ، ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه. فأصلحنا أمرَنا، وألفتنا كما كانت.
قال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي؛ ألم تروْا حسنَ حديثه، وحلاوة منطقه، وغَلبته على قلوب الرجال بما يأتي به! والله لو فعلتُم ذلك ما أمنتُ أن يحلّ على حيّ من العرب، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه