كَرِيّنا (١) هذا؛ فإنه أعرابيّ لا علم له بنا، إنما أكْرانا ابتغاء الرزق، ولو علم بجريرتنا ما فعل؛ وأنت معرّضه لأبي جعفر؛ وهو مَنْ قد علمت؛ فأنت قاتله ومتحمّل مأثمه. قال: فوَجَم محمد طويلًا، ثم قال: هو والله أبو جعفر، والله ما أتعرّض له، ثم حُمِلنا جميعًا فدخلنا على أبي جعفر؛ وليس عنده أحد يعرف الكثيريّ غير الحسن بن زيد، فأقبل على الكثيريّ، فقال: يا عدوّ الله، أتكري عدوّ أمير المؤمنين، ثم تنقله من بلد إلى بلد، تواريه مرة وتظهره أخرى! قال: يا أميرَ المؤمنين، وما علمِي بخبَره وجريرته وعداوته إياك! إنما أكريتُه جاهلًا به، ولا أحسبه إلّا رجلًا من المسلمين، بريء الساحة؛ سليم الناحية، ولو علمت حاله لم أفعل، قال: وأكبّ الحسن بن زيد ينظر إلى الأرض، لا يرفع رأسه، قال: فأوعد أبو جعفر الكثيريّ وتهدده، ثم أمر بإطلاقه، فخرج فتغيّب، ثم أقبل على أبي، فقال: هيه يا عثمان! أنتَ الخارج على أمير المؤمنين، والمعينُ عليه! قال: بايعتُ أنا وأنت رجلًا بمكة، فوَفَيتُ بيعتي وغدرتَ ببيعتك، قال: فأمر به فضربت عنقه.
قال: وحدّثني عيسى، قال: حدّثني أبي، قال: أتِيَ أبو جعفر بعبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فنظر إليه فقال: إذا قتلتُ مثل هذا من قريش فمن أستبقي! ثم أطلقه، وأتِيَ بعثمان بن محمد بن خالد فقتله، وأطلق ناسًا من القرشيّين، فقال له عيسى بن موسى: يا أميرَ المؤمنين، ما أشقَى هذا بك من بينهم! فقال: إن هذا يدي.
قال: وحدّثني عيسى، قال: سمعتُ حسن بن زيد يقول: غدوتُ يومًا على أبي جعفر؛ فإذا هو قد أمر بعمل دكان، ثم أقام عليه خالدًا.
وأتي بعليّ بن المطلب بن عبد الله بن حنطب، فأمر به فضُرب خمسمئة سوط، ثم أتِيَ بعبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع فأمر به فجُلِد خمسمئة سوط؛ فما تحرّك واحد منهما، فقال لي: هل رأيتَ أصبر من هذين قطّ! والله إنا لنؤتَى بالذين قد قاسوْا غلظ المعيشة وكدّها، فما يصبرون هذا الصبر، وهؤلاء أهل الخفض والكِنّ والنعمة، قلت: يا أميرَ المؤمنين، هؤلاء قومك أهلُ الشرف