يا لَثأراتِ الحسين! وابلُغا المسجد الأعظم فنادِيَا بذلك، فخرجا، وكانا أوّل خلق الله دَعَوا: يا لَثأراتِ الحسين! قال: فأقبل حكيم بن منقذ الكنديّ في خيل والوليد بن غُصين في خيل، حتى مرّا ببني كثير، وإنّ رجلًا من بني كثير من الأزْد يقال له عبد الله بن خازم مع امرأته سَهْلة بنت سبرة بن عمرو من بني كثير، وكانتْ من أجمل الناس وأحبِّهم إليه، سمع الصوت: يا لَثأرات الحسين! وما هو ممن كان يأتِيهِم، ولا استجابَ لهم. فوثب إلى ثيابه فلبسها، ودعا بسلاحه، وأمر بإسراج فَرَسه، فقالت له امرأته: ويحك! أَجُنِنت! قال: لا والله، ولكنّي سمعتُ داعيَ الله، فأنا مُجيبه، أنا طالبٌ بدم هذا الرجل حتّى أموت، أو يقضيَ الله من أمري ما هو أحبّ إليه، فقالت له: إلى مَن تدعُ بُنَيَّك هذا؟ قال: إلى الله وحدَه لا شريك له؛ اللهمّ إني أستودِعُك أهلي وَوَلَدي، اللهمَّ احفظني فيهم، وكان ابنه ذلك يُدعى عَزْرة، فبقي حتى قتل بعدُ مع مصعب بن الزبير؛ وخرج حتى لحق بهم، فقعدت امرأته تبكيه واجتمع إليها نساؤها، ومضى مع القوم، وطافت تلك الليلة الخيل بالكوفة، حتى جاؤوا المسجدَ بعد العتمَة، وفيه ناسٌ كثير يصلُّون، فنادوا: يا لثأرات الحسين! وفيهم أبو عزَّة القابضيّ وكرب بن نِمْران يصلّي، فقال: يا لثأرات الحسين! أين جماعة القوم؟ قيل: بالنُّخَيلة، فخرج حتى أتى أهله، فأخذ سلاحه، ودعا بفرسه ليركبه، فجاءته ابنتُه الرُّواع - وكانت تحت ثُبَيت بن مرثد القابضيّ. فقالت: يا أبتِ، ما لي أراك قد تقلدت سيفَك، ولبستَ سلاحك! فقال لها: يا بنيّة، إن أباك يفرّ من ذنبه إلى ربّه، فأخذتْ تَنتحِب وتبكي، وجاءه أصهارُه وبنو عمه، فودَّعهم، ثم خرج فلحق بالقوم؛ قال: فلم يصبح سليمان بن صُرَد حتى أتاه نحوٌ ممّن كان في عسكره حين دخله؛ قال: ثمّ دعا بديوانه لينظر فيه إلى عدّة من بايعه حين أصبح، فوجدهم ستة عشر ألفًا، فقال: سبحان الله! ما وافانا إلا أربعة آلاف من ستة عشر ألفًا (١). (٥/ ٥٨٣ - ٥٨٤).
قال أبو مخنف: عن عطية بن الحارث، عن حميد بن مسلم، قال: قلت لسليمان بن صُرَد: إنّ المختار والله يثبّط الناسَ عنك، إنّي كنت عنده أوَّل ثلاث، فسمعتُ نفرًا من أصحابه يقولون: قد كمُلنا ألفَي رجل؛ فقال: وهَبْ أنّ