ذلك كان؛ فأقام عنّا عشرة آلاف، أمَا هؤلاء بمؤمنين! أمَا يخافون الله! أمَا يذكرون الله، وما أعطَوْنا من أنفسهم من العهود والمواثيق ليُجاهدُنّ وليُنصرُنّ! فأقام بالنُّخَيْلة ثلاثًا يبعث ثِقاتِه من أصحابه إلى مَنْ تخلّف عنه يذكِّرهم اللهَ وما أعطَوْه من أنفسهم، فخرج إليه نحوٌ من ألف رجل، فقام المسَيّب بن نجَبَة إلى سليمان بن صُرَد، فقال: رحمك الله، إنه لا ينفعك الكارهُ، ولا يقاتل معك إلا مَن أخرجَتْهُ النيّة، فلا ننتظرنّ أحدًا، واكمُشْ في أمرك. قال: فإنك والله لنِعمَّا رأيت! فقام سليمان بن صُرَد في الناس متوكِّئًا على قوس له عربيَّة. فقال: أيها الناس، مَنْ كان إنما أخرجتْه إرادةُ وجهِ الله وثوابِ الآخرة فذلك منّا ونحن منه، فرحمة الله عليه حيًّا وميتًا، ومَنْ كان إنما يريد الدنيا وحَرْثَهَا فوالله ما نأتي فيئًا نستفيئه، ولا غنيمةً نغنَمُها، ما خلا رضوان اللهَ رَبّ العالمين، وما معنا من ذهب ولا فضّة، ولا خَزّ ولا حرير، وما هي إلا سيوفنا في عواتقنا، ورماحنا في أكفّنا، وزادٌ قدر البُلْغة إلى لقاء عدوّنا، فمن كان غيرَ هذا ينوي فلا يصحبْنا.
فقام صُخَير بن حذيفة بن هلال بن مالك المُزَنيّ، فقال: آتاك الله رشدَك، ولقّاك حُجَّتك؛ والله الذي لا إله غيره ما لنا خيرٌ في صحبةِ مَنِ الدنيا همَّتُهُ ونيَّته. أيّها الناس، إنما أخرجتْنا التوبةُ من ذنبنا، والطلبَ بدمٍ من نبيِّنا، - صلى الله عليه وسلم - ليس معنا دينارٌ ولا درهم، إنما نقدَمُ على حدّ السيوف وأطراف الرّماح؛ فتنادَى الناسُ من كلّ جانب: إنَّا لا نطلب الدنيا، وليس لها خرجْنا (١). (٥/ ٥٨٤ - ٥٨٥).
قال أبو مخنف: عن إسماعيل بن يزيد الأزديّ، عن السّريّ بن كعب الأزديّ، قال: أتينا صاحبَنا عبد الله بن سعد بن نفيل نودّعه، قال: فقام فقمنا معه، فدخل على سليمان ودخلنا معه، وقد أجمع سليمان بالمسير، فأشار عليه عبد الله بن سعد بن نُفَيل أن يسيرَ إلى عبيد الله بن زياد، فقال هو رؤوس أصحابه: الرّأي ما أشار به عبد الله بن سعد بن نُفَيل أن نسير إلى عبيد الله بن زياد قاتِل صاحبِنا، ومِن قِبَلِه أُتِينا، فقال له عبد الله بن سعد وعنده رؤوس أصحابه جلوس حوله: إنّي قد رأيت رأيًا إن يكُن صوابًا فالله وفَّق، وإن يكن ليس بصواب فمِن قِبَلي، فإني ما آلوكم ونفسي نصحًا؛ خطأ كان أم صوابًا، إنما خرجنا نطلب