للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آثاركم. قال: ثمّ إنّ سليمان بن صُرَد قام في الناس خطيبًا، فحمد اللهَ وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد أيّها الناس، فإنّ الله قد علم ما تنوُون، وما خرجتم تَطلُبون، وإن للدّنيا تجّارًا، وللآخرة تجّارًا، فأما تاجر الآخرة فساع إليها، متنصّب بتَطْلابها، لا يشتري بها ثمنًا، لا يُرى إلا قائمًا وقاعدًا، وراكعًا وساجدًا، لا يطلب ذهبًا ولا فضّة، ولا دنيا ولا لذّة، وأمّا تاجر الدّنيا فمُكبٌّ عليها، راتع فيها، لا يبتغي بها بدلًا؛ فعليكم يرحمكم الله في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل، وبذكر الله كثيرًا على كلّ حال، وتقرّبوا إلى الله جلّ ذكره بكل خير قدرتم عليه، حتى تلقَوا هذا العدوّ والمُحلّ القاسط فتجاهدوه. فإنّ تتوسّلوا إلى ربّكم بشيء هو أعظم عنده ثوابًا من الجهاد والصلاة؛ فإنْ الجهاد سَنامُ العمل. جعلنَا الله وإيّاكم من العباد الصالحين، والمجاهدين الصابرين على الَّلأواء! وإنا مُدْلجون الليلة من منزلنا هذا إن شاء الله فادّلجوا.

فادّلج عشيّة الجمعة لخمس مضَيْن من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين للهجرة.

قال: فلما خرج سليمان وأصحابُه من النُّخْيلة دعا سليمان بن صُرَد حكيم بن منقذ فنادى في الناس: ألا لا يبيتَنّ رجل منكم دون ديَرْ الأعور.

فبات الناس بدير الأعور، وتخلّف عنه ناسٌ كثير، ثمّ سار حتى نزل الأقساس؛ أقساس مالك على شاطئ الفرات، فعرض الناس، فسقط منهم نحوٌ من ألف رجل، فقال ابن صُرد: ما أحبّ أن مَن تخلّف عنكم معكم، ولو خرجوا معكم ما زادوكم إلا خبالا؛ إنّ الله عزّ وجلّ كره انبعاثهم فثبطهم، وخصّكم بفضلِ ذلك، فاحمدوا ربّكم، ثم خرج من منزله ذلك دُلْجةً، فصبّحوا قبرَ الحسين، فأقاموا به ليلةً ويومًا يصلون عليه، ويستغفرون له؛ قال: فلما انتهى الناسُ إلى قبر الحسين صاحوا صيحةً واحدة، وبكَوا؛ فما رُئي يومٌ كان أكثرَ باكيًا منه (١). (٥/ ٥٨٨ - ٥٨٩).

قال أبو مخنف: وقد حدّث عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الرحمن بن


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>