للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطعنه بعد ذلك برمحه، أو يضربه بسيفه، فلم يقاتلْهم إلا ساعة حتى قُتل عبيد الله بن الماحوز، وضرب الله وجوهَ أصحابه؛ وأخذ المهلَّب عسكر القوم وما فيه، وقتل الأزارقة قتلًا ذريعًا، وأقبل مَنْ كان في طلب أهل البصرة منهم راجعًا؛ وقد وضع لهم المهلَّب خيلًا ورجالًا في الطريق تختطفهم وتقتلهم، فانكفؤوا راجعين مفلولين، مقتولين محروبين، مغلوبين؛ فارتفعوا إلى كَرْمان وجانب أصفهان، وأقام المهلّب بالأهواز، ففي ذلك اليوم يقول الصَّلتَانُ العَبْديّ:

بِسِلَّى وسِلَّبْرَى مَصارعُ فتْيَةٍ ... كرامٍ وقَتْلَى لم تُوَسَّدْ خدودُها

وانصرفت الخوارج حين انصرفت؛ وإنّ أصحاب النيران الخمس والست لَيجتمعون على النار الواحدة من الفلول وقلّة العدد، حتى جاءتهم مادَّةٌ لهم من قبَل البحرين، فخرجوا نحو كرْمان وأصبهان؛ فأقام المهلب بالأهواز فلم يزل ذلك مكانه حتى جاء مُصعب البصرةَ، وعزل الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عنها.

ولما ظهر المهلّب على الأزارقة كتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، للأمير الحارث بن عبد الله، من المهلّب بن أبي صفرة، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد فالحمد لله الذي نَصر أميرَ المؤمنين، وهزم الفاسقين، وأنزل بهم نقمته، وقتلهم كلّ قتلة، وشرّدهم كلَّ مشرَّد، أخبر الأمير أصلحَه الله أنَّا لقينا الأزارقة بأرض من أرض الأهواز يقال لها سِلّى وسِلَّبْرى؛ فزحفنا إليهم، ثم ناهضناهم، فاقتتلنا كأشد القتال مليًّا من النهار، ثم إن كتائب الأزارقة اجتمع بعضها إلى بعض، ثم حملوا على طائفة من المسلمين فهزموهم؛ وكانت في المسلمين جوْلة قد كنت أشفقت أن تكون هي الأصرّى منهم، فلما رأيت ذلك عمَدت إلى مكان يَفاع فعلوته، ثم دعوت إليّ عشيرتي خاصّة والمسلمين عامة، فثاب إليّ أقوام شرَوْا أنفسَهم ابتغاءَ مرضاة الله من أهل الدّين والصبر والصدق والوفاء، فقصدت بهم إلى عسكر القوم؛ وفيه جماعتهم وحدّهم وأميرهم قد أطاف به أولو فضلهم فيهم، وذوو النيّات منهم، فاقتتلْنا رمْيًا بالنَّبْل وطعنًا بالرماح.

ثم خلص الفريقان إلى السيوف؛ فكان الجلاد بها ساعة من النهار مبالطةً

<<  <  ج: ص:  >  >>