الأكثر في مثل: تذكرة الحفاظ للذهبي وتراجم الرواة الذين كانوا إلى أواخر المئة الثانية توجد في خلاصة تذهيب الكمال للصفي الخزرجي وتقريب التهذيب للحافظ ابن حجر والذين تناولهم الجرح من الضعفاء: يترجم لهم الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال والحافظ ابن حجر في لسان الميزان فضلًا مما ورد في طبقات ابن سعد وتاريخ دمشق لابن عساكر وتأريخ الإسلام للذهبي والبداية والنهاية لابن كثير من آلاف الأخبار إلا بالرجوع إلى تراجم رواته في كتب الجرح والتعديل، وإن كتب مصطلح الحديث تبين الصفات اللازمة للراوي، ومتى يجوز الأخذ برواية المخالف، ولا نعرف أمة عني مؤرخوها بتمحيص الأخبار وبيان درجاتها وشروط الانتفاع بها، كما عني بذلك علماء المسلمين، وأن العلم بذلك من لوازم الاشتغال بالتاريخ الإسلامي، أما الذين يحتطبون الأخبار بأهوائهم، ولا يتعرفون إلى رواتها، ويكتفون بأن يشيروا في ذيل الخبر إلى الطبري: رواه في صفحة كذا من جزئه الفلاني، يظنون أن مهمتهم انتهت بذلك، فهؤلاء من أبعد الناس عن الانتفاع بما حفلت به كتب التاريخ الإسلامي من ألوف الأخبار، ولو أنهم تمكنوا من علم "مصطلح الحديث" وأنسوا بكتب الجرح والتعديل واهتموا برواة كل خبر، كاهتمامهم بذلك الخبر، لاستطاعوا أن يعيشوا في جوّ التاريخ الإسلامي، ولتمكنوا من التمييز بين غثّ الأخبار وسمينها، ولعرفوا الأخبار أقدارها على أقدار أصحابها (١).
ثم نعود إلى الشروط والضوابط كما وضعها الدكتور عماد الدين خليل:
خامسًا: يقابل هذا ضرورة الاعتماد في بناء البحث التاريخي على الواقعة نفسها دون الوقوع في مظنة اعتماد هياكل مرسومة مسبقًا، ووجهات نظر مصنوعة سلفًا، ومحاولة تطويع الوقائع وإرغامها على الانسجام مع هذه الهياكل والوجهات حتى ولو أدى هذا إلى تشويه ملامح الواقعة التاريخية، أو إعادة تركيبها، لكي تنسجم والأطروحات المسبقة، مما نجده واضحًا، على سبيل المثال، في الدراسات التي تنطلق من المفهوم المادي في تفسير التاريخ، الأمر الذي أوقعها في بحر من الأخطاء والتناقضات.