سادسًا: كما أنه يتوجب في مقابل هذا وذاك اتخاذ موقف علمي تجاه معطيات المستشرقين، الغربيين والشرقيين، على مستوى المنهج والموضوع وعدم التسليم المطلق بها أو تجاوزها كليّة، لأن هذه المعطيات تتضمن الجيد والرديء ... الأبيض والأسود ..
ويضيف الأستاذ عماد الدين قائلًا:
إن مناهج البحث الغربية (نصرانية وماديّة) لا يمكنها بحال أن تقدم تفسيرًا معقولًا شاملًا متماسكًا لتاريخنا الإسلامي، فهي إن نجحت في تفسير التاريخ الغربي وتقويمه فستخفق حتمًا في تفسير التاريخ الإسلامي وتقويمه، ذلك أنها مناهج لا تقوم على أساس (متوازن) ينظر إلى القيم الروحية والمادية كعوامل فعّالة مشتركة في صنع التاريخ، بل على العكس، تسعى بدافع من ماديتها أو علمانيتها إلى ترجيح الدافع المادي وتقليص مساحة الدوافع الروحية في حركة التاريخ، بل طمسها أحيانًا، وإنكارها أساسًا في أحيان ثالثة كعوامل في صيرورة التاريخ البشري.
سابعًا: يجب ألا يقع العاملون في حقل المنهج الجديد للتاريخ الإسلامي تحت وطأة المواضعات المعاصرة في كافة مناحي الحياة البشرية: السياسية والاقتصادية والأخلاقية والروحية والاجتماعية، لأن هذا من شأنه أن يصبغ رؤيتهم للتاريخ الإسلامي بألوان تستمد تركيبها من واقع عصرنا الراهن، الأمر الذي يفسد موضوعية الرؤية، وبالتالي يصد المؤرخ عن الوصول إلى كنه الوقائع التاريخية التي قد لا تمت بصلة إلى موضوعات القرن العشرين.
ثامنًا: ولابدّ من الإشارة أخيرًا -وليس آخرًا- إلى أن الدعوة لإعادة كتابة أو عرض التاريخ الإسلامي وتحليله لا تعني بالضرورة البدء من نقطة الصفر، أو الرفض المطلق للصيغ التي قدمها بها مؤرخونا القدماء، ومحاولة قلب معطياتهم رأسًا على عقب ... ومن يخطر على باله أمر كهذا؛ فهو ليس من العلم في شيء.
[فصل من كتاب إسلامية المعرفة / ٦٣ - ٧٣ / مخطط مقترح لإسلامية علم التأريخ]
ولقد استمر أستاذنا الفاضل عماد الدين خليل في ذكر شروط وضوابط أخرى إلّا أننا لم نذكرها هنا لأنها بحاجة أن تعتمد في حالة كتابة موسوعة للتأريخ