وإن لم تقدروا على مكافأة فتنصَّلوا، واتقوا لسانَ الشاعر، فإنّ شرَّه حاضر، وقولَه فاجر، وسعيَه بائر، وهو بكم غدًا غادر، فقالوا: أفلا نقتله؟ قال: إنَّا قد آمَنَّاه وأَجَرْناه، وقد أجاره أخوكم إبراهيم بن الأشتر، فجلس مع الناس.
قال: ثمّ إنّ إبراهيم قام فانصرف إلى منزله فأعطاه ألفًا وفرسًا ومُطرَفًا فرجع بها وقال: لا والله، لا جاورت هؤلاء أبدًا، وأقبلتْ هوازنُ وغضبتْ واجتمعتْ في المسجد غضبًا لابن همّام، فبعث إليهم المختار فسألهم أن يصفحوا عمّا اجتمعوا له، ففعلوا، وقال ابن همّام لابن الأشتر يمدحه:
أطْفأَ عَنّى نَارَ كَلْبَين أَلَّبا ... عليَّ الكلابَ ذو الفِعال ابنُ مالكِ
فتىً حين يَلقى الخيلَ يَفْرقُ بينها ... بطعن دِرَاكٍ أو بضرب مُواشِكِ
وقد غضِبَتْ لي مِنْ هوازنَ عُصبةٌ ... طوالُ الذَّرا فيها عراض المَبَارِك
إذا ابنُ شُمَيط أو يزيد تعرَّضا ... لها وقَعَا في مُسْتَحار المهالك
وثبْتُمْ علينا يا مواليَ طَيئٍ ... مع ابن شميط شَرِّ ماشٍ ورَاتِكِ
وأعظم ديَّارٍ على اللهِ فِرْيةً ... وما مُفْتَرٍ طاغٍ كآخَرَ نَاسِكِ
فيا عجبًا مِنْ أَحْمس ابنةِ أَحمَسٍ ... تَوَثّبُ حوْلي بالقنا والنَّيازِكِ
كأَنكُمُ في العِزِّ قيسٌ وخثعمٌ ... وهل أنتمُ إلَّا لثَامُ عَوَارِكِ
وأقبل عبد الله بن شدّاد من الغد فجلس في المسجد يقول: علينا توثَّبُ بنو أسد وأحمس! والله لا نرضى بهذا أبدًا، فبلغ ذلك المختار، فبعث إليه فدعاه، ودعا بيزيد بن أنس وبابن شميط، فحَمِد الله وأثنَى عليه وقال: يا بن شدّاد، إنّ الَّذي فعلتَ نَزْغة من نزَغات الشيطان، فُتب إلى الله، قال: قد تُبْت، وقال: إنّ هذين أخواك، فأقبِل إليهما، واقبل منهما، وهب لي هذا الأمر، قال: فهو لك، وكان ابن همّام قد قال قصيدةً أخرى في أمر المختار، فقال:
أضحت سُلَيْمى بعدَ طولِ عِتابِ ... وتَجَرُّمٍ ونَفاد غَرْبِ شَبابِ
قد أَزْمَعت بصَريمتي وتَجنّبي ... وتهوُّكٍ مُذْ ذاك في إعتابِ
لمّا رأيتُ القصر أُغلقَ بابُهُ ... وتوكَّلت هَمْدانُ بالأَسباب
ورأَيتُ أصحابَ الدَّقيق كأَنَّهمْ ... حولَ البُيُوت ثعالبُ الأَسراب
ورأيتُ أبوابَ الأَزِقَّة حولَنا ... درَبَت بكلِّ هِرَاوة وذُباب