قال هشام: عن أبي مخنف: حدّثني موسى بن عامر، أنّ كتاب عبد الرحمن بن سعيد لمَّا ورد على المختار بعث إلى يزيد بن أنس فدعاه، فقال له: يا يزيدَ بن أنس، إنّ العالِم ليس كالجاهل، وإنّ الحق ليس كالباطل، وإني أخبرك خبر من لم يكذِب ولم يكذَّب، ولم يُخالِف ولم يرتب، وإنَّا المؤمنون الميامين، الغالبون المساليم، وإنَّك صاحب الخيل الَّتي تجرّ جِعابها، وتضفر أذنابها، حتَّى تُوردها منابتَ الزيتون، غائرةً عيونُها، لاحقةً بطونُها، اخرُج إلى المَوصل حتَّى تنزلَ أدانيها، فإني ممدّك بالرّجال بعد الرّجال، فقال له يزيد بن أنس: سرّحْ معي ثلاثةَ آلاف فارس أنتخبُهم وخَلّني والفرْج الَّذي توجَّهنا إليه، فإن احتجتُ إلى الرّجال فسأكتب إليك؛ قال له المختار: فاخرج فانتخب على اسم الله مَنْ أحببت فخرج فانتخب ثلاثة آلافِ فارس، فجعل على رُبْع المدينة النعمانَ بن عوف بن أبي جابر الأزديّ، وعلى رُبْع تميم وهمْدان عاصم بن قيس بن حبيب الهمْدانيّ، وعلى مَذْحج وأسَد ورقاء بن عازب الأسديّ، وعلى رُبْع ربيعة وكندة سعْر بن أبي سِعْر الحنفيّ.
ثم إنَّه فصل من الكوفة، فخرج وخرج معه المختار والناس يشَيعونه، فلما بلغ دير أبي موسى ودّعه المختار وانصرف، ثم قال له: إذا لقيتَ عدوّك فلا تُناظرهم، وإذا أمكنتْك الفرصةُ فلا تؤخّرها، وليكن خبرُك في كلّ يوم عندي، وإن احتجت إلى مَدد فاكتب إليّ؛ مع أني مُمِدّك ولو لم تَستمدِد، فإنَّه أشدّ لعَضُدك، وأعزّ لجُنْدك، وأرْعَب لعدوّك، فقال له يزيد بن أنس: لا تمدّني إلا بدعائك، فكفى به مَددًا، وقال له الناس: صَحِبكَ اللهُ وأدّاك وأيَّدك، وودّعوه فقال لهم يزيد: سلوا الله ليَ الشهادة، وايمُ الله لئن لقيتُهم ففاتني النصرُ لا تَفُتْني الشهادة إن شاء الله، فكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس: أما بعد، فخلّ بين يزيدَ وبين البلاد إن شاء الله، والسلام عليك، فخرج يزيد بن أنس بالناس حتَّى بات بسُورَا ثم غدا بهم سائرًا حتى بات بهم بالمدائن؛ فشكا الناسُ إليه ما دخلهم من شدّة السير عليهم، فأقام بها يومًا وليلة، ثمّ إنَّه اعترض
(١) في إسنادها هشام بن محمد بن السائب الكلبي المتروك.