قال أبو مخنف: فحدّثني أبو عبد الأعلى الزُّبيديّ أنّ ذلك الفتى عبد الله بن مسلم بن عَقيل، وأنَّه قال حيث أثبت كفَّه في جبهته: اللَّهمّ إنَّهم استقلّونا واستذلّونا، اللَّهمَّ فاقتلهم كما قتلونا، وأذلَّهم كما استذلّونا، ثمّ إنَّه رمى الغلامَ بسهم آخَرَ فقَتلَه، فكان يقول: جئتُه ميِّتًا فنزعتُ سهمي الَّذِي قتلتُه به من جَوْفه، فلم أزَل أُنضْنِض السَّهم من جبهته حتَّى نَزْعته، وبقيَ النَّصل في جبهته مُثبَتًا ما قدرتُ على نزعه.
قال: فلمَّا أتى ابن كامل دارَه أحاط بها، واقتحم الرجالُ عليه فخرج مصلتًا بسيفه - وكان شجاعًا - فقال ابن كامل: لا تضربوه بسيف، ولا تَطعنَوه برمح، ولكن ارموه بالنبل، وارجموه بالحجارة، ففعلوا ذلك به، فسقط، فقال ابن كامل: إن كان به رَمَق فأخرِجوه؛ فأخرَجوه وبه رَمَق، فدعا بنار فحرّقه بها وهو حيّ لم تخرج رُوحهُ، وطلب المختار سنان بن أنس الَّذي كان يدّعى قَتْلَ الحسين، فوَجده قد هَرَب إلى البَصرة. فهدّم داره، وطلب المختارُ عبد الله بن عُقْبة الغَنَويّ فوجده قد هَرَب، ولحق بالجزيرة، فهدم داره، وكان ذلك الغَنَويّ قد قتل منهم غلامًا، وقتل رجل آخر من بني أسد يقال له: حَرْملة بن كاهل رجلًا من آل الحسين، ففيهما يقول ابن أبي عَقِب اللَّيثيّ:
وعِندَ غَنِيٍّ قطرَةٌ من دِمائنا ... وفي أَسَدٍ أُخرَى تُعَدُّ وتُذكَرُ
وطلب رجلًا من خَثْعَم يقال له عبد الله بن عروة الخثعميّ - كان يقول: رميت فيهم باثني عشر سهمًا ضَيْعَةً - ففاته ولَحِق بمصعب، فهَدّم دارَه، وطلب رجلًا من صُداء يقال له عَمْرو بن صُبَيح، وكان يقول: لقد طعنتُ بعضَهُم وجرحتُ فيهم وما قتلت منهمْ أحدًا، فأتِيَ ليلًا وهو على سَطْحه وهو لايشعر بعد ما هدأت العيون، وسيفُه تحت رأسه، فأخذوه أخْذًا، وأخذوا سيفَه، فقال: قبحك الله سيفًا، ما أقرَبك وأبعَدَك! فجيء به إلى المختار، فحَبَسه معه في القصر، فلمَّا أن أصبح أذِنَ لأصحابه، وقيل: لِيدخلْ من شاء أن يَدخُل، ودخل الناس وجيء به مقيَّدًا، فقال: أما واللهِ يا معشر الكَفَرة الفَجَرة أن لو بِيَدِي سيفي لَعلمتم أني بنصل السيف غير رَعِش ولا رِعْديد، ما يسرُّني إذ كانت منيّتي قَتْلًا أنَّه قتلني من الخلق أحد غيركم. لقد علمتُ أنَّكم شرار خلق الله، غيرَ أني وددتُ أنّ بيدي سيفًا أضرب به فيكم ساعة، ثمّ رفع يدَه فلطم عينَ ابن كامل وهو إلى