قال هشام بن محمَّد: قال أبو مخنف: حدّثني موسى بن عامر، قال: لمَّا أخرج المختارُ بن مطيع من الكوفة لَحق بالبَصرة، وكره أن يقدم ابن الزبير بمكَّة وهو مهزوم مفلول، فكان بالبَصرة مقيمًا حتَّى قدم عليه عمرُ بنُ عبد الرحمن بن هشام، فصارا جميعًا بالبصرة، وكان سبب قدوم عمرَ البصرة أنّ المختار ظهر بالكوفة واستجمع له الأمر وهو عند الشِّيعة إنَّما يدعو إلى ابن الحنفيَّة والطلب بدماء أهل البيت، أخذ يخادع ابنَ الزبير ويكتب إليه، فكتب إليه: أمَّا بعد، فقد عرفتَ مُناصَحتي إيَّاك وجَهدي على أهل عَداوَتِك، وما كنتَ أعطيتني إذا أنا فعلتُ ذلك من نفسك فلمَّا وفَيتُ لك، وقضيتُ الَّذي كان لكَ عليّ، خِسْتَ بي، ولم تَف بما عاهَدتني عليه، ورأيت منّي ما قد رأيت، فإن تُرد مراجعتي أراجِعك، وإن تُرد مُناصحتي أنصح لك. وهو يريد بذلك كفَّه عنه، حتَّى يَستجمِع له الأمر، وهو لا يُطْلع الشِّيعة على شيء من هذا الأمر، وإذا بلغهم شيء منه أراهم أنَّه أبعد الناس عن ذلك. قال: فأراد ابن الزبير أن يَعلم أسِلْم هو أم حرب! فدعا عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ، فقال له: تجهَّزْ إلى الكوفة فقد ولَّيناكَها، فقال: كيف وبها المختار! قال: إنَّه يزعم أنَّه سامع مطيع، قال: فتجَّهزَ بما بين الثلاثين الألف درْهم إلى الأربعين ألفًا، ثمّ خرج مقبلًا إلى الكوفة، قال: ويجيء عينُ المختار من مكَّة حتَّى أخبره الخبر، فقال له: بكم تجهّز؟ قال: بما بين الثلاثين ألفًا إلى الأربعين ألفًا. قال: فدعا المختارُ زائدةَ بن قدامة، وقال له: احمِل معك سبعين ألفَ درهم ضِعفَ ما أنفَق هذا في مسيره إلينا وتلقّه في المفَاوز، واخرج معك مسافر بن سعيد بن نمْران الناعطيّ في خمسمئة فارس دارعٍ رامح، عليهم البَيْض، ثمَّ قل له: خذ هذه النَّفقة فإنَّها ضعف نفقتك، فإنَّه قد بلغنا أنَّك تجهَّزتَ وتكلَّفت قدرَ ذلك، فكَرِهنا أن تغرم، فخذها وانصرف، فإن فعل وإلّا فأره الخيل وقل له: إنّ وراء هؤلاء مثلهم مئة كتيبة. قال: فأخذ زائدة المال، وأخرج معه الخيل، وتلقَّاه بالمَفاوز، وعرض عليه المال، وأمَرَه بالانصراف، فقال له: إنّ أمير المؤمنين قد ولّاني الكوفة ولابدّ من إنفاذ أمره، فدعا زائدةُ بالخيل وقد أكمنها في جانب، فلمَّا رآها قد أقبلتْ قال: هذا الآن أعذَرُ لي وأجملُ بي، هاتِ المالَ، فقال له زائدة: أمَّا إنَّه لم يبعث به إليك إلّا لما بينك وبينه، فدفعه إليه فأخذه ثمّ مضى