قال: فوالله ما اقتتلنا إلّا شيئًا ليس بشيء حتى قُتل ابن ورس في سبعين من أهل الحفاظ، ورَفَع عبَّاسُ بن سهل رايةَ أمان لأصحاب ابن ورس، فأتَوْها إلّا نحوًا من ثلاثمئة رجل انصرفوا مع سَلَمانَ بن حمير الهمدانيّ وعياش بن جَعْدة الجدليّ، فلمَّا وقعوا في يد عبَّاس بن سهل أمر بهم فقُتِلوا إلا نحوًا من مئتي رجل، كره ناس من النَّاس ممَّن دُفِعُوا إليهم قتلهم، فخلَّوا سبيلهم، فرجعوا، فمات أكثرُهم في الطريق، فلمَّا بلغ المختار أمرُهُم، ورجع مَنْ رجع منهم، قام خطيبًا فقال: ألا إنّ الفُجَّار الأشرار، قتَلوا الأبرار الأخيار، ألا إنَّه كان أمرًا مأتِيًّا، وقضاءً مقضيًّا، وكتب المختار إلى ابن الحنفيَّة مع صالح بن مسعود الخَثعَمِيّ:
بسم الله الرحمن الرحيم، أمَّا بعد، فإني كنت بعثتُ إليك جندًا ليُذلّوا لك الأعداء، وليحوزُوا لك البلاد، فساروا إليك حتَّى إذا أظلُّوا على طَيبَة، لقيهم جندُ المُلحِد، فخدعوهم بالله، وغرّوهم بعهد الله، فلمَّا اطمأنّوا إليهم، ووَثِقوا بذلك منهم، وثبوا عليهم فقتلوهم، فإن رأيتَ أن أبعثَ إلى أهل المدينة من قبَلي جيشًا كثيفًا، وتَبعثَ إليهم من قِبَلك رُسُلًا حتَّى يعلم أهلُ المدينة أني في طاعتك، وإنما بعثت الجند إليهم عن أمرك، فافعل، فإنَّك ستجد عظمهم بحقّكم أعرَف، وبكم أهل البيت أرأف منهم بآل الزبير الظّلمة الملحدين والسلام عليك.
فكتب إليه ابنُ الحنفيَّة: أمَّا بعد، فإنّ كتابك لمَّا بلغني قرأتُه، وفهمتُ تعظِيمَك لحقّي، وما تنوي من سروري، وإنّ أحبّ الأمور كلِّها إليّ ما أطيع اللهَ فيه، فأطع الله ما استطعتَ فيما أعلنتَ وأسررت، واعلم أني لو أردت لوجدتُ الناس إليّ سراعًا، والأعوانَ لي كثيرًا، ولكني أعتزلهم، وأصبر حتى يحكم الله لي وهو خير الحاكمين.
فأقبل صالح بنُ مسعود إلى ابن الحنفيَّة فودَّعه وسلَّم عليه، وأعطاه الكتاب وقال له: قل للمختار فليتَّقِ الله، وليكفُف عن الدّماء، قال: فقلت له: أصلَحَك الله! أوَ لم تكتبْ بهذا إليه! قال له ابن الحنفيَّة: قد أمرتهُ بطاعة الله، وطاعةُ الله تَجمَع الخيرَ كلَّه، وتنهَى عن الشرّ كلّه، فلمَّا قَدِم كتابُه على المختار أظهر للناس