للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجُدَليّ، وكانت خيلُه كلها في الميمنة والميسرة، فدنا فسلَّم عليه، ونزل هو يمشي في الرّجّالة، وجاء عباس في أصحابه وهم منقطعون على غير تعبية، فيجد ابن ورس على الماء قد عبّى أصحابه تعبية القتال، فدنا منهم فسلَّم عليهم، ثم قال: اخلُ معي هاهنا، فَخلَا به، فقال له: رحمك الله! ألستَ في طاعة ابن الزبير! فقال له ابن ورس: بلى، قال: فسرْ بنا إلى عدوّه هذا الَّذي بوادي القرى، فإنّ ابن الزبير حدّثني أنَّه إنَّما أشخصكم صاحبكم إليهم، قال ابن ورس: ما أمِرت بطاعتك، إنما أمِرت أن أسير حتى آتي المدينة، فإذا نزلتها رأيت رأيي، قال له عبَّاس بن سهل: فإن كنت في طاعة ابن الزبير فقد أمرني أن أسيرَ بك وبأصحابك إلى عدوّنا الَّذِين بوادي القرى، فقال له ابن ورْس: ما أمِرتُ بطاعتك، وما أنا بمتَّبعك دون أن أدخل المدينة، ثمَّ أكتب إلى صاحبي فيأمرني بأمره، فلمَّا رأى عبَّاس بن سهل لَجاجَتَه عرف خلافَه، فكَرِه أن يُعلمه أنَّه قد فطن له، فقال: فرأيك أفضل، اعمْل بما بدا لك؛ فأمَّا أنا فإني سائر إلى وادي القرى، ثم جاء عبَّاس بن سهل فنزل بالماء.

وبعث إلى ابنَ ورْس بجزائرَ كانت معه، فأهداها له، وبعث إليه بدقيق وغنم مسلَّخة - وكان ابن ورس وأصحابه قد هلكوا جوعًا - فبعث عبَّاس بن سهل إلى كلّ عشرة منهم شاة، فذبحوها، واشتغلوا بها، واختلطوا على الماء. وترك القومُ تعبيتهم، وأمِن بعضُهم بعضًا؛ فلمَّا رأى عبَّاس بن سهل ما هم فيه من الشغل جَمَع من أصحابه نحوًا من ألفِ رجل من ذوي البأس والنَّجدة ثمّ أقبل نحو فسطاط شُرَحبيل بن وَرْس، فلمَّا رآهم ابنُ وَرْس مُقْبلين إليه نادى في أصحابه، فلم يَتوافَ إليه مئةُ رجل حتَّى انتهى إليه عبَّاس بن سهل وهو يقول: يا شُرْطةَ الله، إليّ إليّ! قاتلوا المُحِلِّين، أولياءَ الشيطان الرجيم، فإنَّكم على الحقّ والهدى؛ قد غَدَروا وفجروا (١). (٦/ ٧٢ - ٧٤).

قال أبو مخنف: فحدّثني أبو يوسف أنّ عبَّاسًا انتهى إليهم، وهو يقول:

أنَا ابن سهل فارسٌ غيرُ وَكَلْ ... أَرْوَعُ مِقْدَام إذا الكبشُ نَكَلْ

وأعْتَلي رأْسَ الطِّرِمَّاح البطَلْ ... بالسّيف يومَ الرَّوْع حتَّى يَنْخزَلْ


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>