للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرًا في عاجل أمره، وذُخْرًا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كانُ من سِوَى ذلك يَوَدُّ {لَوْ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. والذي صدق قوله، وأنجز وَعْدَه، لا خُلفَ لذلك، فإنَّه يقول عزّ وجل: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السرّ والعلانية، فإنَّه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}، ومَنْ يتَّق الله فقد فاز فَوْزًا عظيمًا. وإنّ تقوى الله يُوَقِّي مقته، ويوقّي عقوبته، ويوقّي سَخَطه، وإنّ تقوى الله يُبيِّض الوجوه، ويرْضي الربَّ، ويرفع الدّرجة.

خذوا بحظِّكم، ولا تفَرِّطوا في جَنْب الله؛ قد علَّمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيلَه، ليعلَم الَّذين صدقوا ويعلَم الكاذبين، فأحْسِنوا كما أحْسَن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حقَّ جهاده هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}، ولا قوّة إلا بالله. فأكثِرُوا ذكْرَ الله، واعملوا لما بعد اليوم، فإن مَنْ يصلح ما بينه وبين الله يَكْفه الله ما بينه وبين النَّاس، ذلك بأنّ الله يقضي على النَّاس ولا يقضُون عليه، ويملِكُ من النَّاس ولا يملكون منه؛ الله أكبرُ، ولا قوّةَ إلّا بالله العظيم (١)! (٢: ٣٩٤/ ٣٩٥ / ٣٩٦).

٦٦ - حدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سلمَة، عن ابن إسحاق، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب ناقتَه، وأرخَى لها الزّمام، فجعلَت لا تَمُرُّ بدار من دُور


(١) هذا إسناد مرسل صحيح إلى مرسله وقد أورد ابن كثير رواية ابن جرير هذه ثم قال:
هكذا أوردها ابن جرير وفي السند إرسال (البداية والنهاية ٣/ ٢١١).
قلنا: وأخرج البيهقي في دلائل النبوة (٣/ ٥٢٤) بسنده إلى التابعي الجليل أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: (كانت أول خطبة خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أنه قام فيهم فحمد الله ... الحديث). وهو مختصر عن رواية الطبري ولقد أورد ابن كثير رواية البيهقي هذه كذلك وقال عقبها: وهذه الطريق أيضًا مرسلة إلّا أنها مقوية لما قبلها وإن اختلفت الألفاظ. (البداية والنهاية ٣/ ٢١٢).
قلنا: وقد سبق أن ذكرنا طريقة تحقيقنا لتأريخ الطبري في أننا نعدل عن رأي الجمهور إلى شروط الشافعي في قبول الحديث المرسل، وقد تحقق شرط من شروطه هنا وهو قبول الحديث المرسل إذا اختلفت مخارجه وهو هنا كذلك.
وقد عدلنا إلى قول الشافعي لأن هذه الرواية في السيرة وليس في الحلال والحرام والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>