للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكوفة، وتوجّه منهم نحوَ القصر ثمانية آلاف لم يَجِدوا مَنْ يقاتل بهم، ووجدوا المختارَ في القَصْر، فدخَلوا معه، وكان أصحاب المختار، قتلوا في تلك الليلة من أصحابِ مصعب بشرًا كثيرًا، فيهم محمد بنُ الأشعث، وأقبل مُصعبٌ حينَ أصبح حتى أحاط بالقصر، فأقام مصعبٌ يُحاصِره أربعةَ أشهُر يَخرُج إليهم في كلّ يوم فيقاتلهم في سوق الكوفة من وجه واحد، ولا يُقدَر عليه حتى قتِل المختار، فلما قُتِل المختار بعث من في القصر يَطلب الأمان، فأبى مصعب حتى نزلوا على حُكْمه، فلما نزلوا على حُكْمه قتل من العرب سبعمئة أو نحو ذلك، وسائرُهم من العَجم؛ قال: فلما خرجوا أراد مُصعَب أن يَقتُل العجم ويتركَ العَرَب، فكلمه من معه، فقالوا: أيّ دِينٍ هذا؟ وكيف ترجو النصرَ وأنت تَقتلُ العَجَم وتَترُك العَرَب ودِينُهم واحد! فقدَّمهم فضرَبَ أعناقَهم (١). (٦/ ١١٤ - ١١٦).

قال أبو جعفر: وحدّثني عمرُ بن شَبّة، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، قال: لما قُتِل المختار شاور مصعبٌ أصحابَه في المحصورين الذين نزلوا على حكمه، فقال عبدُ الرحمن بنُ محمد بن الأشعث ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس وأشباهُهم ممّن وَترهم المُختار: اقتُلهم، وضَجّت ضَبّة، وقالوا: دَمُ مُنذِر بن حسان؛ فقال عبيد الله بن الحُرّ: أيّها الأمير، ادفعْ كلَّ رجل في يديك إلى عشيرته تمنّ عليهم بهم، فإنهم إن كانوا قتَلونا فقد قتَلناهم، ولا غِنى بنا عنهم في ثغورنا، وادفع عبيدَنا الذين في يديك إلى مواليهم فإنهم لأيتامنا وأرامِلنا وضُعفائنا، يردّونهم إلى أعمالهم، واقتل هؤلاء الموالي، فإنهم قد بدا كفرُهم، وعظُم كِبرُهم، وقلّ شُكرُهم. فَضَحِك مُصعَب وقال للأحنف: ما ترَى يا أبا بَحْر؟ قال: قد أرادني زيادٌ فعَصيْته - يعرَّض بهم - فأمرَ مصعب القوم جميعًا فقُتِلوا، وكانوا ستة آلاف، فقال عُقْبة الأسَديّ:

قَتلتمْ ستَّةَ الآلافِ صَبْرًا ... مع العَهْد الموثَّقِ مكتَفِينَا

جعلتمْ ذِمّة الحَبطِيّ جسْرًا ... ذَلولًا ظَهرُهُ لِلواطِئينَا

وما كانوا غَداةَ دُعُوا فغُرُّوا ... بَعْهدهِمُ بأَوَّلِ حائِنِينَا

وكنتُ أَمرتُهمْ لو طاوَعُوني ... بضَرْب في الأَزِقّة مُصلتِيَنا


(١) في إسنادها محمد بن عمر الواقدي الكذاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>