بالمسلمين ساعةً من النهار أشدَّ القتال، ثمِّ إنّ الله ضرب وُجوهَهم وأدبارَهم، ومنحنا أكتافَهم، فقتل اللهُ منهم مَن خابَ وخسِر، وكلٌّ إلى خُسْران، فكتبتُ إلى الأمير كتابي هذا وأنا على ظَهْر فرَسي في طلب القوم، أرجُو أن يَجُذَّهم الله إن شاء الله، والسلام.
ثم إنّه تَبِعهم ومضَوا من فورهم ذلك حتَّى نزلوا إِصْطَخْرَ، فسار إليهم حتَّى لقيَهم على قنطرة طَمَستانَ، فقاتلهم قتالًا شديدًا، وقُتل ابنُه.
ثمّ إنه ظَفِر بهم، فَقَطعوا قنطرةً طَمَستْانَ، وارتفعوا إلى نحو من أصبهان وكرْمان، فأقاموا بها حتَّى اجْتَبروا وقَووْا، واستعدّوا وكَثُروا، ثمّ أقبَلوا حتّى مرّوا بفارسَ وبها عمرُ بنُ عُبيد الله بن مَعمر، فَقطعُوا أرضَه من غير الوَجْه الَّذي كان فيه أخذوا على سابور، ثمّ خرجوا على أرَّجانَ، فلمَّا رأى عمرُ بن عُبيد الله أنْ قد قطعت الخوراج أرضَه متوجِّهة إلى البَصْرة خشيَ ألّا يحتمِلها له مُصعَب بنُ الزبير، فشمَّر في آثارهم مُسرِعًا حتى أتى أرَّجان، فوجدهم حين خرجوا منها متوجهين قِبَل الأهواز، وبلَغ مُصعبًا إقبالُهم، فخَرج فعسكر بالناس بالجِسر الأكبر، وقال: والله ما أدري ما الَّذِي أغنَى عنّي أنْ وضعتُ عمرَ بن عُبيد الله بفارسَ، وجعلتُ معهُ جُندًا أجرِي عليهم أرزاقَهم في كلّ شهر، وأوَفِّيهم أعطياتِهم في كل سنة، وآمُرُ لهم من المَعاوِن في كلّ سنة بمثلِ الأعْطيات، تَقطَع أرضَه الخوارج إليّ! وقد قطعتُ علَّته فأمددتُه بالرّجال وقوّيتُهم والله لو قاتَلهم ثم فرّ كان أعذَرَ له عندي، وإن كان الفارّ غيرَ مقبولِ العذر، ولا كريم الفعل.
وأقبلت الخوارجُ وعليهم الزبيرُ بن الماحُوز حتَّى نزلوا الأهواز، فأتتْهم عيونهم أن عمر بن عُبيد الله في أثرهم، وأنّ مصَعب بن الزّبير قد خرج من البصْرة إليهم، فقام فيهم الزُّبيرُ فحَمِد الله وأثنَى عليه ثمّ قال: أمَّا بعد، فإنّ من سوء الرأي والحيرة وقُوعُكم فيما بين هاتَيْن الشَّوْكَتين، انْهضوا بنا إلى عدُوّنا نَلقَهم من وجه واحد، فسار بهم حتَّى قطع بهم أرضَ جُوخَى، ثمّ أخذ على النَّهْرَوانات، ثمِّ لزم شاطى دِجْلة حتى خرج على المدائن، وبها كرْدَم بنُ مَرثَد بن نجبَة الفزَارِيّ، فشنّوا الغارَة على أهل المَدائن، يُقتّلون الوِلدان والنساءَ والرّجال، ويبقُرون الحَبَالى، وهرب كردم، فأقبلوا إلى ساباطَ فوضعوا أسيافَهم في النَّاس، فقتَلوا أمّ ولد لربيعة بن ماجد، وقتلوا بُنانة ابنة أبي يزيد بن عاصم