قال هشام حدّثني عوانة، أنّ الخيلين تواقَفتا ذاتَ يوم، وكان مع عمرو بن سعيد رجل من كَلْب يقال له رَجاء بن سرَاج، فقال رجاء: يا عبدَ الرّحمن بنَ سليم، أبرُز - وكان عبدُ الرحمن مع عبدِ الملك - فقال عبدُ الرحمن: قد أنْصف القَارَة من رامَاها، وبَرز له، فاطّعَنا وانقَطَع ركابُ عبدِ الرحمن، فنَجا منه ابنُ سراج، فقال عبدُ الرحمن: واللهِ لولا انقطاع الرّكاب لرميت بما في بطنِك من تبْن، وما اصطلح عمرو، وعبدُ الملك أبدًا، فلمَّا طال قِتالُهم جاءَ نساءُ كَلْب وصِبْيانُهم فبَكَيْن وقُلْن لسُفيانَ بن الأبرد ولابن بَحْدل الكلبيّ: عَلام تَقتُلون أنفسَكم لسلطانِ قُرَيش! فَحلَف كلّ واحد منهما ألّا يرجع حتَّى يرجع صاحبُه، فلمَّا أجمعوا على الرّجوع نظروا فوَجَدوا سُفيان أكبرَ من حُريث، فطلبوا إلى حُرَيث، فرجع، ثمّ إنّ عبدَ الملك وعمرًا اصطَلحا، وكَتبا بينهما كتابًا، وآمنَه عبدُ الملك وذلك عشيَّة الخميس (١). (٦/ ١٤١).
قال هِشام: فحدّثني عَوانة أنّ عمرو بنَ سعيد خرج في الخَيْل متقلّدًا قوسًا سوداء، فأقْبَل حتَّى أوطأ فرسه أطناب سُرادِق عبدِ الملك، فانقطعتْ الأطنابُ وسقط السرادق، ونزل عمروٌ فجلس وعبدُ الملك مُغضب، فقال لعمرو: يا أبا أميَّة، كأنَّك تشَبَّهُ بتقلُّدك هذه القوسَ بهذا الحيّ من قيس! قال: لا، ولكني أتشبَّه بمن هو خيرٌ منهم؛ العاص بن أميَّة.
ثمّ قام مغضبًا والخيلُ معه حتى دخل دمَشق، ودخل عبدُ الملك دمِشَق يومَ الخميسِ، فبعث إلى عمرو أن أعطِ الناس أرزاقَهم فأرسل إليه عمرو: إنّ هذا لك ليسَ ببلد، فاشخص عنه، فلمَّا كان يوم الإثنين وذلك بعد دخولِ عبدِ الملك دِمَشق بأربع بعَث إلى عمرو أن ائتِني - وهو عند امرأتِه الكلبية، وقد كان عبدُ الملك دعا كُريب بن أبرهة بنَ الصَّبَاح الحميريّ فاستشاره في أمر عمرو بن سعيد، فقال له: في هذا هلكت حِمْير، لا أرَى لك ذلك، لا ناقَتي في ذَا ولا جملي - فلمَّا أتى رسولُ عبدِ الملك عمرًا يدعوه صادف الرسولُ عبدَ الله بن يزيد بن معاوية عند عمرو، فقال عبد الله لعمرو بن سعيد: يا أبا أميَّة، والله لأنت أحبُّ إليّ من سَمْعي وبصري، وقد أرى هذا الرّجل قد بعث إليك أن تأتيَه،