للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساعةً حتَى ارتفعتْ خيلٌ من خيلهم إليها فحرّقَتْها، وبعث خالد بن عبد الله على مَيمنَته المهلَّبَ، وعلى ميْسَرته داود بن قَحذَم من بني قيس بن ثعلبة، ومرّ المهلَّب على عبد الرحمن بن محمَّد ولم يُخندِق، فقال: يابن أخي، ما يَمنعك من الخَنْدق! فقال: واللهِ لهم أهوَنُ عليّ من ضَرْطة الجَمَل، قال: فلا يَهُونوا عليك يابن أخي، فإنَّهم سِباعُ العَرَب، لا أبرح أو تَضرِب عليك خندقًا؛ ففعل.

وبلغ الخوارجَ قول عبد الرحمن بن محمَّد لهم: "أهوَنُ عليَّ مِن ضَرْطة الجمل"، فقال شاعرُهم:

يا طالِبَ الحقِّ لا تُستَهْو بالأَمَلِ ... فإنَّ من دون ما تَهوى مَدى الأجلِ

واعمَل لربِّك وأسأَله مثوبَتَهُ ... فإنَّ تَقْواه فاعلمْ أفضلُ العملِ

واغزُ المخانِيثَ في الماذِيِّ مُعْلِمَة ... كيما تُصبّح غَدْوًا ضَرْطَةَ الجملِ

فأقاموا نحوًا من عشرين ليلةً، ثمّ إن خالدًا زَحَف إليهم بالناس، فرأوا أمْرًا هالهم من عدَدَ الناس وعُدّتِهم، فأخذوا ينحازون، واجترأ عليهم الناس، فكَرّت عليهم الخيل، وزحف إليهم فانصرفوا كأنَّهم على حامِية وهم مولُّوِن لا يروْن لهم طاقة بقتال جماعة الناس، وأتبعهم خالدُ بنُ عبد الله داودَ بن قحذم في جيش من أهل البصرة، وانصرف خالد إلى البصرة، وانصرف عبدُ الرحمن بنُ محمَّد إلى الرَّيّ وأقام المهلَّب بالأهواز، فكتب خالدُ بنُ عبدِ الله إلى عبد الملك:

أمَّا بعد: فإني أخْبر أميرَ المؤمنين أصلحه الله أني خرجتُ إلى الأزارقة الَّذين مرقوا من الدِّين، وخرجوا من وِلاية المسلمين، فالتقيْنا بمدينة الأهْواز فتناهضْنا فاقتتلنا كأشدّ قتال كان في الناس، ثمّ إنّ الله أنزَل نصرَه على المؤمنين والمسلمين، وضربَ الله وجوه أعدائه، فاتبعهم المسلمون يقتّلونهم، ولا يَمنعون ولا يمتنعون، وأفاءَ الله ما في عسكرهم على المسلمين، ثمّ أتبعتُهم داودَ بن قَحْذَم، واللهُ إن شاءَ مهلِكهم ومستأصِلهم؛ والسلام عليك.

فلمَّا قَدم هذا الكتاب على عبد الملك كتب عبدُ الملك إلى بشْر بن مرْوان:

أما بعد: فابعث من قِبَلك رجلًا شجاعًا بصيرًا بالحرب في أربعة آلاف فارس، فلْيَسيروا إلى فارس في طلب المارقة، فإنّ خالدًا كتب إليّ يخبِرني أنَّه قد بعث في طلبهم داود بن قَحْذَم، فمرْ صاحبك الَّذي تَبعث ألا يُخالف داودَ بن قَحْذَم إذا ما التَقَيا، فإنّ اختلافَ القوم بينهم عَوْن لعدوُهم عليهم، والسلامُ عليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>