عبدُ العزيز لما انْهَزَم عنه الناس، وقتِل مقاتل بنُ مِسمَح، وقدم الفَلّ إلى الأهْواز، أحببتُ أن أعلِم أميرَ المؤمنين ذلك ليأتيَني رأيُه وأمرهُ أنزل عندَه إن شاء الله، والسلام عليك ورحمة الله.
فكَتَب إليه:
أما بعد، فقد قَدِم رسولُك في كتابِك، تُعلِمني فيه بَعْثَتك أخاك على قتال الخوارج، وبهزيمة مَنْ هُزم، وقَتْل من قُتِل، وسألتُ رسولك عن مكان المهلّب، فحدّثني أنه عامل لك على الأهواز، فقَبح الله رأيك حين تَبُعث أخاك أعرابيًّا من أهل مكّة على القتال، وتدَع المهلب إلى جنبك يَجبي الخَراج، وهو المَيْمونُ النقيبةِ، الحَسَن السياسة، البصير بالحَرْب، المُقاسي لها، ابنها وابنُ أبنائها! انظر أن تنهض بالناس حتى تستقبلهم بالأهواز ومن وراء الأهواز، وقد بَعثتُ إلى بِشْر أن يُمدّك بجَيْش من أهل الكوفة، فإذا أنت لقيتَ عدوَّك فلا تَعمَل فيهم برأي حتى تُحضره المهلب، وتستشيره فيه إن شاء الله، والسلامُ عليكَ ورحمة الله.
فشَقَّ عليه أنّه فَيَّل رأيَه في بِعْثةِ أخيه وتَرْكِ المهلب، وفي أنه لم يَرضَ رأيَه خالصًا حتى قال: أحضرْه المهلّبَ واستشرْه فيه.
وكَتَب عبدُ الملك إلى بِشْر بن مَرْوان:
أما بعد، فإني قد كتبتُ إلى خالد بن عبد الله آمُرُه بالنّهوض إلى الخوارِج، فسرِّحْ إليه خمسة آلاف رجل، وابعث عليهم رجلًا من قِبَلك ترضاه، فإذا قضَوْا غزاتَهم تلك صرفْتَهم إلى الرّيّ فقاتَلُوا عدوَّهم، وكانوا في مَسالِحهم، وجَبَوْا فيئهم حتى تأتي أيام عَقَبهم فتُعقبهم وتبعث آخرين مكانَهم.
فقطع على أهل الكوفة خمسة آلاف، وبعث عليهم عبدَ الرحمن بَن محمد بن الأشعث، وقال: إذا قضيتَ غزاتَك هذه فانصرفْ إلى الرَّيّ. وكتب له عليها عهْدًا، وخرج خالدٌ بأهل البصرة حتى قَدِم الأهواز، وجاء عبد الرحمن بنُ محمَّد ببعث أهل الكوفة حتَّى وافاهم بالأهواز، وجاءت الأزارقة حتَّى دنَوْا من مدينة الأهواز ومن مُعسكَر القوم، وقال المهلَّب لخالد بن عبد الله: إني أرَى هاهنا سُفُنًا كثيرة، فضُمَّها إليك، فوالله ما أظُنّ القومَ إلّا مُحرِقيها، فما لبث إلّا