قال: فترَك أن يُوصِيني بالجُنْد، وقتالِ العدُوّ، والنَّظر لأهل الإسلام، وأقبل يُغرِيني يا بن عمتي كأني من السُّفهاء، أو ممَّن يُستَصْبي ويُستجهَل، ما رأيتُ شيخًا مِثْلي في مِثْل هيئتي ومنزلتي طُمِع منه في مِثلِ ما طَمع فيه هذا الغلامُ مِنّي، شَبَّ عمرو عن الطَّوْق.
قال: ولمَّا رأى أني لستُ بالنَّشيط إلى جوابه قال لي: ما لَك؟ قلتُ: أصلحكَ الله! وهل يَسعني إلا إنفاذ أمرك في كلّ ما أحببت وكرهت! قال: امضِ راشدًا، قال: فودّعتُه وخرجتُ من عنده، وخرج المهلَّب با أهل البصرة حتَّى نزل رامَهُرْمُز فلقيَ بها الخوارج، فخندق عليه، وأقبل عبدُ الرحمن بنُ مخنف بأهل الكوفة على ربع أهل المدينة معه بِشْر بنُ جريرِ، وعلى ربع تميم وهَمْدان محمَّد بن عبدِ الرحمن بن سعيد بن قيس، وعلى ربع كِنْدَة وربيعةَ إسحاقُ بن محمَّد بن الأشعث، وعلى ربع مَذحِج وأسَد زَحْر بن قيس، فأقْبَل عبدُ الرحمن حتَّى نزل من المهلَّب على مِيل أو ميل ونصف، حيث تراءى العسكران برَامَهُرْمُز، فلم يلبث الناسُ إلا عشرًا حتى أتاهم نعيّ بِشر بن مروان، وتُوفيَ بالبصرة، فارفضَّ ناس كثيرٌ من أهل البصرة وأهلِ الكوفة واستخلف بشر خالدَ بنَ عبد الله بن أسيد، وكان خليفته على الكوفة عمرو بن حُرَيث، وكان الَّذين انصرفوا من أهل الكوفة زَحْر بن قيس وإسحاق بن محمَّد بن الأشعث ومحمَّد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس، فبعث عبدُ الرحمن بنُ مخنف ابنَه جعفرًا في آثارهم، فردّ إسحاق ومحمَّدًا، وفاتَه زحْر بن قيس، فحبسهما يومين، ثمّ أخذ عليهما ألّا يفارقاه، فلم يلبثا إلا يومًا حتى انصرفا، فأخذا غير الطريق وطُلبا فلم يُلحقَا، وأقبَلا حتى لحقا زَحْر بنَ قيس بالأهواز، فاجتمع بها ناس كثير ممَّن يريد البصْرة، فبلغ ذلك خالد بن عبد الله، فكتب إلى الناس كتابًا، وبعث رسولًا يضرب وجوهَ الناس ويردّهم، فقدم بكتابه فولىً له، فقرأ الكتاب على الناس؛ وقد جُمِعوا له:
بسم الله الرّحمن الرحيم، من خالد بنِ عبد الله، إلى من بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين سلامٌ عليكم، فإني أحَمد إليكم الله الَّذي لا إله إلّا هو، أمَّا بعد، فإنّ الله كتب على عباده الجهاد، وفرض طاعةَ وُلاةِ الأمر، فمن جاهد فإنَّما يجاهد لنفسه، ومن ترك الجهادَ في الله كان الله عنه أغنى، ومن عَصى ولاةَ