للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر والقَوّام بالحق أسخَط الله عليه، وكان قد استحقّ العُقوبة في بشره، وعرّض نفسَه لاستفاءَة مالِه وإلقاء عطائه، والتسيير إلى أبعد الأرض وشَرّ البلْدان، أيّها المسلمون! اعلموا على من اجترأتم ومن عصيتم؟ ! إنَّه عبدُ الملك بن مروان أميرُ المؤمنين، الذي ليست فيه غَمِيزة، ولا لأهل المعصية عنده رُخْصة، سوْطه على من عَصى، وعلى من خالَف سيفُه، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلًا، فإني لم آلُكُم نصيحةً، عبادَ الله، ارجِعوا إلى مَكْتبِكم وطاعةِ خليفتِكم، ولا ترجِعوا عاصِين مخالِفين فيأتيَكم ما تكرهون، أقسِم بالله لا أثقَف عاصيًا بعد كتابي هذا إلا قتلتُه إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله.

وأخَذَ كلما قرأ عليهم سطرًا أو سطرين قال له زحْر: أوْجز؛ فيقول له مولى خالد: واللهِ إني لأسمع كلامَ رجل ما يريد أن يفهم ما يَسمع، أشهدَ لا يعيج بشيء مما في هذا الكتاب، فقال له: اقرأ أيها العبد الأحمر ما أمِرتَ به، ثم أرجع إلى أهلك، فإنك لا تدري ما في أنفسنا.

فلما فرغ من قراءته لم يلتفت الناسُ إلى ما في كتابه، وأقبَل زَحْر وإسحاقُ بن محمد ومحمد بن عبد الرحمن حتى نزلوا قرية لآل الأشعث إلى جانب الكوفة، وكتبوا إلى عمرو بن حُرَيث:

أما بعد، فإنّ الناس لمّا بلغَهم وفاةُ الأمير رحمةُ الله عليه تفرّقوا فلم يثق معنا أحد؛ فأقبلنا إلى الأمير والي مصرِنا، وأحببنا ألّا نَدخل الكوفة إلّا بإذن الأمير وعلمه.

فكتب إليهم:

أما بعد، فإنكم تركتم مكْتَبكم، وأقبَلتم عاصين مخالفين، فليس لكم عندنا إذْن ولا أمان.

فلما أتاهِم ذلك انتَظروا حتى إذا كان الليل دخلوا إلى رحالهم، فلم يزالوا مقيمين حتى قدِم الحجاج بن يوسف (١). (٦/ ١٩٦ - ١٩٩).


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>