بعد الخيل، والرّجال بعد الرّجال، فلما كان بعد العصر ورأت الخوارجَ ما يجيء من عسكر عبد الرحمن من الخيل والرّجال إلى عسكر المهلب ظنوا أنه قد خَفّ أصحابه فجعلوا خمس كتائبَ أو سِتًّا تُجاهَ عسكر المهلب، وانصرَفوا بحدّهم وجمعِهم إلى عبد الرحمن بن مخنَف، فلما رآهم قد صمدوا له نزل ونزل معه القُرَّاء، عليهم أبو الأحوص صاحبُ عبد الله بن مسعود، وخُزَيمة بن نصر أبو نصر بن خُزَيمة العبسيّ الذي قُتل مع زيد بن عليّ وصلب معه بالكُوفة، ونزل معه من خاصَّة قومه أحدٌ وسبعون رجلًا، وحملت عليهم الخوارجُ فقاتلتْهم قتالًا شديدًا، ثمّ إنّ الناس انكشفوا عنه، فبقي في عِصابة من أهل الصّبر ثبتوا معه، وكان ابنه جعفر بن عبد الرحمن فيمن بعثه إلى المهلب، فنادَى في الناس ليتْبعوه إلى أبيه، فلم يتْبعه إلّا ناس قليل، فجاء حتى إذا دنا من أبيه حالت الخوارجُ بينه وبين أبيه، فقاتل حتى ارتثّته الخوارج، وقاتل عبد الرحمن بن مخنف ومن معه على تلّ مُشرف حتى ذهب نحوٌ من ثُلثيِ الليل، ثمّ قُتل في تلك العصابة، فلما أصبحوا جاء المهلب حتى أتاه، فدَفنه وصلّى عليه، وكتب بمُصابه إلى الحجّاج، فكتب بذلك الحجاج إلى عبد الملك بن مَرْوان، فنعى عبد الرحمن بمِنىً، وذمَّ أهلَ الكوفة، وبعثَ الحجّاجُ على عسكر عبد الرحمن بن مخنف عتّابَ بن وَرقاء، وأمره إذا ضمّتْهما الحَرْب أن يَسمَع للمهلّب ويطيع، فساءه ذلك، فلم يجد بُدّا من طاعة الحجاج ولم يَقدر على مراجعته، فجاء حتى أقام في ذلك العسكر، وقاتل الخوارج وأمرُه إلى المهلب، وهو في ذلك تقضي أمورَه، ولا يكاد يستشير المهلب في شيء، فلما رأى ذلك المهلب اصطَنع رجالًا من أهل الكوفة فيهم بِسطامُ بن مَصْقَلة بن هُبيرة، فأغراهم بَعتّاب (١). (٦/ ٢١١ - ٢١٣).
قال أبو مخنف عن يوسفَ بن يزيد: إن عتَّابًا أتى المهلَّب يسأله أن يرزق أصحابَه، فأجلسَه المهلَّب معه على مجلسه، قال: فسأله أن يرزق أصحابه سؤالًا فيه غِلظة وتجهُّم، قال: فقال له المهلب: وانَّك لها هنا بابن اللَّخناء! فبنو تميم يَزعمون أنَّه رَدَّ عليه، وأمَّا يوسفُ بنُ يزيدَ وغيرُه فيَزعمون أنَّه قال: والله إنَّهما لمعمّةٌ مُخْوِلَةٌ، ولوَددتُ أن الله فرّق بيني وبينك، قال: فجرى بينهما