للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام حتَى ذهب المهلَّب ليرفع القضيب عليه. فوثب عليه ابنُه المغيرة، فقَبض على القضيب وقال: أصَلح الله الأمير! شيخٌ من أشياخ العرب، وشريفٌ من أشرافهم، إنْ سمعتَ منه بعضَ ما تكرهه فاحتملْه له، فإنَّه لذلك منك أهل، ففعل، وقام عتَّاب فرجع من عنده، واستقبله بسطامُ بن مَصقلَة يشتُمه، وتقع فيه.

فلما رأى ذلك كَتَب إلى الحجَّاج يشكو إليه المهلَّب ويُخبِره أنَّه قد أغرى به سُفهاءَ أهل المصر، ويسأله أن يضمَّه إليه، فوافق ذلك من الحجَّاج حاجةً إليه فيما لقي أشرافُ الكوفة من شبيب، فبعث إليه أن اقدَمْ واترك أمر ذلك الجيش إلى المهلَّب، فبعث المهلَّب عليه حبيب بن المهلَّب.

وقال حُمَيد بن مُسلم يرثي عبدَ الرحمن بن مخنف:

إن يقتُلوك أبا حكيم غُدوةً ... فلقدْ تَشُدُّ وتَقتُل الأَبطَالَا

أو يُثْكِلُونا سيدًا لمُسوَّدٍ ... سَمْحَ الخليقةِ ماجِدًا مِفضالَا

فلَمِثل قتلك هَدَّ قومَكَ كلَّهُمْ ... مَن كان يَحمِلُ عنهمُ الأَثقَالَا

من كان يَكِشفُ غُرمهم وقتالَهُم ... يومًا إذا كان القتالُ نِزالَا!

أقسمتُ ما نِيلَتْ مَقاتِلُ نفسه ... حتى تَدَرَّعَ من دَمٍ سِرْبالَا

وتناجَزَ الأَبْطالُ تحتَ لوائِه ... بالمَشْرَفيَّة في الأَكُفّ نِصالَا

يومًا طويلًا ثمّ آخرَ ليلِهِم ... حين استبانوا في السماء هِلالَا

وتكشَّفَتْ عنه الصُّفوف وخَيلُهُ ... فهنُاكَ نالَتْهُ الرِّماحُ فمالَا

وقال سُراقة بنُ مِرْداس البارقيّ:

أَعَيْنيَّ جُودَا بالدُّموع السواكبِ ... وكُونَا كَواهِي شَنَّةٍ مع راكبِ

على الأَزْدِ لمّا أن أصِيب سَراتُهُمْ ... فنُوحَا لعيشٍ بعدَ ذلك خائبِ

نُرجِّي الخلودَ بعدهْم وتَعُوقنا ... عوائقُ موتٍ أو قِرَاعُ الكَتَائبِ

وكنَّا بخيرٍ قبلَ قَتل ابنِ مِخْنفٍ ... وكلُّ امرئً يومًا لبعضِ المذاهب

أمارَ دُموعَ الشِّيبِ من أَهل مِصرِهِ ... وعَجَّل في الشُّبَّان شَيْب الذوائبِ

وقَاتَل حتى ماتَ أكرَمَ مِيتةٍ ... وخرَّ على خَدٍّ كَرِيم وحاجبِ

وضَارَب عنه المارِقينَ عصابةٌ ... منَ الأَزْدِ تمشي بالسّيوف القَواضبِ

فلا ولَدَتْ أُنثَى ولا آبَ غائبٌ ... إلى أهلِه إنْ كان ليسَ بآيبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>