التميميّ، ثم شدّ عليهم - وذلك بعد العصر - وقد جعل أصحابه ثلاثةَ كراديس؛ فهو في كُرْدوس، وشبيب في كُرْدوس في ميمَنته، وسُوَيد بن سليم في كرْدوس في الميسرة، في كلّ كُرْدوس منهم ثلاثون رجلًا.
فلما شدّ عليهم الحارثُ بن عميرة في جماعة أصحابِه انكشف سُوَيد بن سليم، وثبت صالح بنُ مسرّح فقُتِل، وضارب شبيبٌ حتى صُرع، فوقع في رجّالة، فشدّ عليهم فانكشفوا، فجاء حتى انتَهى إلى موقف صالح بن مسرّح فأصابه قتيلًا، فنادى: إليّ يا معشر المسلمين؛ فلاذُوا به، فقال لأصحابه: ليَجْعَل كلّ واحد منكم ظهرَه إلى ظهر صاحبه، وليطاعِن عدوَّه إذا أقدَم عليه حتى ندخل هذا الحصن، ونرى رأينا؛ ففعلوا ذلك حتى دخلوا الحصن وهم سبعون رجلًا بشَبيب، وأحاط بهم الحارثُ بنُ عميرة مُمْسِيًا، وقال لأصحابه: احرقوا الباب، فإذا صار جَمْرا فدعوه فإنهم لا تقدرِون على أن يخرجوا منه حتَّى نصبّحهم فنقتلهم، ففعلوا ذلك بالباب، ثمّ انصرَفوا إلى عسكرهم، فأشرَف شبيب عليهم وطائفةٌ من أصحابه، فقال بعضُ أولئك الفَرْض: يا بني الزَّواني، ألم يُخزكم الله! فقالوا: يا فُسَّاق، نعم تقاتلوننا لقتالِنا إيَّاكم إذْ أعماكُم الله عن الحقّ الّذي نحن عليه، فما عُذْركم عند الله في الفَرْي على أمَّهاتِنا! فقال لهم حُلَماؤهم: إنَّما هذا من قول شباب فينا سُفهاء، والله ما يُعجِبنا قولهم ولا نستحلّه.
وقال شبيب لأصحابه: يا هؤلاء، ما تَنتظِرون! فوالله لئن صبَّحكم هؤلاء غُدْوةً إنَّه لَهَلَاكُكم، فقالوا له: مرنا بأمرِك، فقال لهم: إنَّ اللَّيل أخَفى للوَيْل، بايعوني أو من شئتم منكم، ثم اخرجوا بنا حتَّى نشُدّ عليهم في عسكرهم، فإنَّهم لذلك منكم آمنون، وأنا أرجو أن ينصُرَكم الله عليهم، قالوا: فابسُطْ يدك فلنُبايعْك، فبايَعوه، ثمّ جاؤوا ليخرجوا، وقد صار بابُهم جمرًا، فأتوا باللُّبود فبلُوها بالماء، ثمَّ ألقَوْها على الجَمْر، ثمّ قطعوا عليها، فلمَ يشعرُ الحارث بن عميرة ولا أهلُ العسكر إلّا وشبيب وأصحابُه يضربونهم بالسيوف في جوفِ عسكرِهم، فضارب الحارث حتّى صُرع، واحتمَلَه أصحابُه وانهزموا، وخلَّوْا لهم العسكر وما فيه، ومضَوا حتى نزلوا المدائن، فكان ذلك الجيشُ أوّلَ جيش