فلمَّا قرأ الحجَّاجُ الكتاب قال: مَنْ صنع كما صنع هذا، وأبلى كما أبلى فقد أحسن، ثم كتب إليه:
أمَّا بعد، فقد أحسَنْتَ البلاء، وقضيتَ الَّذي عليك، فإذا خَفّ عنك الوجع فأقبِل مأجورًا إلى أهْلِك، والسلام.
وكتب إلى سَوْرة بن أبجَر:
أمَّا بعد فيا بن أمّ سَوْرة، ما كنتَ خليقًا أن تجتَرئ على ترك عهدي وخذلان جُندي، فإذا أتاك كتابي فابعث رَجُلًا ممَّن معك صَليبًا إلى الخيل الَّتي بالمدائن، فَلينتخِب منهم خمسمئة رجلٍ، ثمّ ليُقدم بهم عليك، ثمّ سِرْ بهم حتَّى تَلَقى هذه المارقة، واحزمْ في أمرك، وكدْ عدوّك فإنْ أفضل أمر الحرب حسن المكيدة. والسلام.
فلمَّا أتى سَوْرةَ كتابُ الحجَاج بعث عديّ بن عميرة إلى المدائن، وكان بها ألفُ فارس، فانتَخب منهم خَمسمئة ثمّ دخل على عبد الله بن أبي عُصَيْفِير - وهو أميرُ المدائن في إمارته الأولى - فسلَّم عليه، فأجازه بألف درْهم، وحمله على فرس، وكساه أثوابًا، ثم إنَّه خرج من عنده، فأقبل بأصحابه حتَّى قدم بهم على سَورة بن أبجر ببابل مَهْروذ، فخرج في طلب شبيب، وشبيب يَجُول في جُوخَى وسَوْرة في طَلبه، فجاء شبيب حتَّى انتهى إلى المَدائن، فتحصَّن منه أهلُ المدائن وتحرّزوا، وهي أبْنية المدائن الأولى، فدخل المدائن، فأصاب بها دوابَّ جندٍ كثيرة، فقتل مَنْ ظهر له ولم يَدخلُوا البيوت، فأتِيَ فقيل له: هذا سَوْرة بنُ أبجر قد أقبلَ إليك، فخرج في أصحابه حتَّى انتهى إلى النَهرَوان فنزلوا به وتوضّؤوا وصلُّوا، ثمّ أتَوْا مصارعَ إخوانهم الذين قتَلهم عليّ بنُ أبي طالب عليه السلام، فاستغفروا لإخوانِهم، وتبرّؤوا من عليّ وأصحابِه، وبَكوْا فأطالوا البكاءَ، ثم خرجوا فقطعوا جِسْرَ النَّهرَوان، فنزلوا من جانِبه الشرقي، وجاء سَوْرة حتَّى نزل بقطراثا، وجاءته عُيونه فأخبرتْه بمنزل شبيب بالنَّهروان، فدعا رؤوس أصحابه فقال: إنَّهم قلَّما يُلْقَون مُصحِرين أو على ظَهر إلّا انتصفوا منكم، وظهروا عليكم، وقد حُدّثت أنَّهم لا يزيدون على مئة رجل إلا قليلًا، وقد رأيتُ أن أنتخبكم فأسيرَ في ثلاثمئة رجل منكم من أقويائكم، وشُجْعانِكم، فآتيِهم الآن إذْ