للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أخاه مصادًا معه خمسون في هَزْم من الأرض.

فلمَّا رأوْه جَمَع أصحابَه ثمَّ مضى في سفح الجبل مُشْرقًا فقالوا: هرب عدوّ الله فاتَّبعوه، فقال لهم عديّ بن عميرة الشَّيبانيّ: أيّها الناس، لا تعجلوا عليهم حتَّى نَضرب في الأرض ونسير بها، فإن يكونوا قد أكمنوا لنا كميِنًا كنّا قد حَذرْناه وإلا فإنّ طلبهم لن يفوتنا، فلم يسمع منه الناس، وأسرعوا في آثارهم، فلمَّا رأى شبيب أنَّهم قد جازوا الكَمِينَ عَطَف عليهم.

ولما رأى الكَمينُ أن قد جاوَزُوهم خرجَوا إليهم، فحمل عليهم شبيب من أمامِهم، وصاح بهم الكمين من ورائهم، فلم يقاتلهم أحد، وكانت الهزيمة، فثبت ابنُ أبي العالية، في نحو من مئتي رجل، فقاتلهم قتالًا شديدًا حسنًا؛ حتَّى ظنّ أنَّه انتصف من شبيب وأصحابه، فقال سُويد بن سُليم لأصحابه: أمِنْكم أحد يَعرف أميرَ القوم ابنَ أبي العالية؟ فوالله لئن عَرَفْتُه لأجهدَنّ نفسي في قتْلِه، فقال شبيبٌ: أنا مِن أعرَف الناس به، أما تَرَى صاحب الفرس الأغرّ الَّذي دونَه المُرامية! فإنَّه ذلك، فإن كنت تريدُه فأمهِلْه قليلًا ثمّ قال: يا قعنب، اخرج في عشرين فائتِهم من ورائهم، فخرج قعنب في عشرين فارتفع عليهم.

فلمَّا رأوه يريدُ أن يأتيَهم من ورائهم جعلوا ينتقضون ويتسلَّلون، وحمل سُوَيد بنُ سُليم على سُفيان بن أبي العالية فطاعنه، فلم تصنع رُمْحاهما شيئًا، ثم اضطربا بِسَيْفيهما ثمَّ اعتنق كل منهما صاحبه، فوقعا إلى الأرض يعتركان؛ ثم تحاجزوا وحَمَل عليهم شبيب فانكشفوا، وأتى سُفيان غلامٌ له يقال له غَزْوان، فنزل عن بِرْذَونه، وقال: اركبْ يا مولاي، فرَكب سفيان، وأحاط به أصحاب شبيب، فقاتَل دونَه غَزْوان فقُتل، وكانت معه رايتُه، وأقبل سُفيانُ بن أبي العالية حتَّى انتهى إلى بابل مَهُرُوذ، فنزل بها، وكتب إلى الحجَّاج:

أمَّا بعد، فإني أخبِر الأميرَ أصلَحه الله أني اتَّبعت هذه المارقةَ حتَّى لِحقتُهم بخانِقين فقاتلتهم، فضَربَ الله وجوههم، ونصرنا عليهم، فبينا نحن كذلك إذْ أتاهم قوم كانوا غُيَّبًا عنهم، فَحَملوا على الناس فهزموهم، فنزلتُ في رجال من أهل الدّين والصبر فقاتلتهم، حتَى خررتُ بين القتلى، فحُمِلت مرتثًّا، فأتيَ بي بابل مهروذ، فهأنذا بها والجند الَّذين وجَّههم إليّ الأمير وافَوا إلا سَوْرةَ بن أبْجَر فإنه لم يأتني ولم يشهد معى حتّى إذا ما نزلت بابل مَهْروذ أتاني يقول

<<  <  ج: ص:  >  >>