أقمْ أنت في جماعة الجيش؛ فارسَهم وراجلهم، وأصحِرْ له؛ فوالله ليقدمنّ عليك، فلا تُفرّق أصحابك؛ فإنّ ذلك شرّ لهم وخيرٌ لك.
فقال له: قف أنت في الصّفّ، فقال: يا سعيد بن مجالد، ليس لي فيما صنعتَ رأي، أنا بريءٌ من رأيك هذا، سَمِع اللهُ ومَن حضر من المسلمين.
فقال: هو رأيي إن أصبتُ؛ فالله وفَّقني له، وإن يكن غيرَ صواب فأنتم منه بُراء، قال: فوقف الجَزل في صفّ أهل الكوفة وقد أخرجهم من الخندق، وجعل على ميمنتهم، عياض بن أبي لينة الكِنْديّ، وعلى ميسرتِهم عبد الرحمن بن عوف أبا حُميد الرّواسيّ، ووَقف الجزل في جماعتهم واستقدم سعيد بن مجالد، فخرج وأخرج الناسَ معه، وقد أخذ شبيبٌ إلى بَرَاز الرُّوز، فنزل قَطُفتا، وأمر دهْقَانَها أن يشترَي لهم ما يُصلحهم، ويتّخذ لهم غَداءً، ففعل، ودخل مدينة قَطُفتا وأمر بالباب فأغلق، فلم يَفرغ من الغداء حتى أتاه سعيد بنُ مجالد في أهل ذلك العسكر، فصعد الدّهقان السور فنظر إلى الجُنْد مقبلين قد دنَوا من حِصْنه، فنزل وقد تغيَّر لونُه، فقال له شبيب: ما لي أراك متغيِّر اللون! فقال له الدّهقان: قد جاءتك الجنود من كلّ ناحية، قال: لا بأس، هل أدرَك غداؤنا؟ قال: نعم، قال: فقرّبْه، وقد أغلَق الباب، وأتِيَ بالغداء، فتغدَّى وتوضّأ وصلَّى ركعتين، ثمّ دعا ببغل له فركبه.
ثمّ إنَّهم اجتمعوا على باب المدينة، فأمر بالباب فَفُتح، ثمّ خرج على بغله فحمَل عليهم، وقال: لا حكمَ إلا للحَكَم الحكيم، أنا أبو مدلّه، اثبتوا إن شئتم، وجعل سعيد يجمَع قومه وخيلَه، ويولفها في أثرَه ويقول: ما هؤلاء! إنَّما هم أكلَةُ رأس، فلمَّا رآهم شبيب قد تقطعوا وانتشروا لفَّ خيله كلَّها، ثمّ جمعها، ثم قال: استعرضوهم استعراضًا، وانظروا إلى أميرهم، فوالله لأقتلنّه أو يقتلني، وحَمَل عليهم مستعرضًا لهم، فهَزَمهم وثبت سعيد بن المجالد، ثمّ نادى أصحابه: إليّ إليّ، أنا ابن ذي مُرّان!
وأخذ قلَنْسُوتَه فوضعها على قَربوس سَرْجه، وحَمَل عليه شبيب فعمَّمه بالسيف، فخالط دماغَه، فخرّ ميتًا، وانهزم ذلك الجيش، وقتِلوا كلّ قِتْلة، حتَّى انتهوا إلى الجزَل، ونزل الجزل ونادَى: أيها الناس، إليّ. وناداهم عِياضُ بن أبي لينة: أيها الناس، إن كان أميركم القادم قد هَلَك فأميركم الميمونُ