النَّقيبة المبارك حيّ لم يَمت، فقاتل الجزل قِتالًا شديدًا حتَّى حُمِل من بين القتلَى، فحُمل إلى المدائن مرْتثًّا، وقَدم فلّ أهل ذلك العسكر الكوفة، وكان من أشدّ الناس بلاءً يومئذ خالدُ بن نَهيك من بني ذُهْل بن معاوية وعياض بن أبي لِينة، حتى استنقذاه وهو مرتَثّ هذا حديثُ طائفة من الناس، والحديث الآخرُ قتالهم فيما بين دَيْر أبي مريم إلى بَراز الرّوز، ثمّ إنّ الجَزْل كتب إلى الحجاج.
قال: وأقبَل شبيب حتَّى قَطع دجْلة عند الكَرْخ، وبعث إلى سوق بغداد فآمنهم، وذلك اليوم سُوقهم، وكان بلغه أنَّهم يخافونه، فأحَبّ أن يؤمِّنهم، وكان أصحابُه يريدون أن يشتروا من السوق دوابّ وثِيابًا وأشياءَ ليس لهم منها بُدّ، ثمّ أخذ بهم نحو الكوفة، وساروا أول الليل حتَّى نزلوا عُقْر المَلِك الَّذي يلي قصر ابن هُبيرة، ثمّ أغَذَّ السَّيرَ من الغد، فبات بين حمّام عمر بن سعد وبين قُبِّينَ، فلمَّا بلغ الحجَّاج مكانه بعث إلى سُويد بن عبد الرحمن السعديّ، فبعثه في ألفي فارس نقاوَة وقال له: اخرْج إلى شبيب فالقه، واجعل ميمنةً وميسَرة، ثمَّ انزل إليه في الرّجال فإن استطرد ذلك فدعه ولا تتبعه، فخرج فعسكر بالسَّبْخة، فبلغه أنّ شبيبًا قد أقبل، فأقبل نحوه وكأنَّما يساقُون إلى الموت، وأمر الحجَّاج عثمان بن قَطن فعسكَر بالناس بالسَّبَخة، ونادى: ألا بَرئت الذمّة من رجل من هذا الجند باتَ اللَّيلة بالكوفة لم يخرُج إلى عثمانَ بن قَطَن بالسَّبَخة!
وأمر سُوَيد بن عبد الرحمن أن يسيرَ في الألفين اللَّذين معه حتَّى يلقى شبيبًا فعبَر بأصحابه إلى زُرَارة وهو يعبِّئهم ويحرّضهم إذ قيل له: قد غشيَك شبيب، فنزل ونزل معه جُلُّ أصحابه، وقدَّم رايتَه ومضى إلى أقصى زُرارة، فأخبِر أن شبيبًا قد أخبر بمكانك فتركك، ووجد مخاضةً فعبر الفُرات وهو يريد الكوفة من غير الوجه الَّذي أنت به، ثم قيل له: أما تراهم! فنادى: في أصحابه، فركبوا في آثارهم.
وإنْ شبيبًا أتى دارَ الرّزق، فنزَلها، فقيل: إن أهل الكوفة بأجمعهم معسكرون بالسَّبَخة، فلمَّا بلغهم مكانَ شبيب صاح بعضهم ببعض وجالوا، وهَمّوا أن يَدخلوا الكوفة حتَّى قيل لهم: إنّ سويد بن عبد الرحمن في آثارهم قد