حدّثني أبي- قال: حدَّثنا أبان العطار، قال: حدَّثنا هشام بن عُروة، عن عُروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: أمّا بعد، فإنك كتبتَ إليّ في أبي سفيان ومخرَجه، تَسْألني كيف كان شأنه؟ كان من شأنه أنّ أبا سُفيان بن حَرْب أقبل من الشام في قريب من سبعين راكبًا من قبائل قريش كلّها، كانوا تجارًا بالشام، فأقبلوا جميعًا معهم أموالُهم وتجارتهم، فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ وقد كانت الحرب بينهم قبل ذلك، فقُتلت قتلى، وقُتِل ابن الحضرميّ في ناس بنَخْلَة، وأسِرَتْ أسارَى من قريش، فيهم بعضُ بني المغيرة، وفيهم ابن كَيسان مولاهم، أصابهم عبد الله بن جَحْش وواقد حليف بني عديّ بن كعب، في ناسٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثهم مع عبد الله بن جحش، وكانت تلك الوقعة هاجت الحرب بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش، وأول ما أصاب به بعضهم بعضًا من الحرب، وذلك قبلَ مخرج أبي سفيان وأصحابه إلى الشام. ثم إنّ أبا سفيان أقبل بعد ذلك ومَن معه من ركْبان قريش مقبلين من الشام، فسلَكوا طريق الساحل، فلمّا سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ندبَ أصحابه وحدّثهم بما معهم من الأموال، وبقلَّة عَدَدِهم، فخرجوا لا يريدون إلّا أبا سفيان والركْبَ معه؛ لا يروْنها إلّا غنيمة لهم؛ لا يظنّون أن يكون كبيرُ قتال إذا لقُوهم، وهي التي أنزل الله عزّ وجلّ فيها:{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}.
فلما سمعَ أبو سفيان أنّ أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معترضون له، بعث إلى قريش: إنَّ محمدًا وأصحابه معترضون لكم، فأجيرُوا تجارتَكم، فلمّا أتى قريشًا الخبرُ -وفي عيرِ أبي سفيان؛ من بُطون كعب بن لُؤيّ كلّها- نفرَ لها أهلُ مكة؛ وهي نَفْرة بني كعب بن لُؤيّ، ليس فيها من بني عامر أحدٌ إلّا من كان من بني مالك بن حِسْل؛ ولم يَسمع بنَفرَة قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه؛ حتى قدِم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بدرًا- وكان طريق ركبان قريش؛ مَنْ أخذ منهم طريق الساحل إلى الشام- فخفض أبو سفيان عن بدْر، ولزِم طريقَ الساحل، وخاف الرّصَد على بدْر، وسار النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، حتى عرّس قريبًا من بدر، وبعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام في عصابة من أصحابه إلى ماء بدر، وليسوا يحسبُون أنّ قريشًا خرجت لهم، فبينا رسول - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ يصلّي؛ إذ ورد بعض روايا قريش ماءَ بدر، وفيمن ورد من الرّوايا غلام لبني الحجّاج أسودُ؛ فأخذه النّفرُ الذين بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير إلى