الماء، وأفلت بعضُ أصحاب العبد نحو قريش، فأقبلوا به حتى أتوْا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مُعَرّشه، فسألوه عن أبي سفيان وأصحابه؛ لا يحسبون إلّا أنه معهم، فطفِق العبد يحدّثهم عن قريش ومن خرج منها، وعن رؤوسهم، ويصدُقهم الخبر؛ وهم أكره شيء إليهم الخبر الذي يخبرهم؛ وإنما يطلبون حينئذ بالركْب أبا سفيان وأصحابه، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - يصلّي؛ يركع ويسجد يرى ويَسمع ما يُصنع بالعبد، فطفقِوا إذا ذكر لهم أنها قريش جاءتهم، ضربوه وكذّبوه، وقالوا: إنما تكتمنا أبا سفيان وأصحابه؛ فجعل العبد إذا أذلَقوه بالضرب، وسألوه عن أبي سفيان وأصحابه -وليس له بهم علم؛ إنما هو من رَوَايا قريش- قال: نعم، هذا أبو سفيان، والركْب حينئذ أسفل منهم؛ قال الله عزّ وجلّ:{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} حتَّى بلغ- {أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}، فطفقِوا إذا قال لهم العبد: هذه قريش قد أتتكم ضربوه، وإذا قال لهم: هذا أبو سفيان تركوه.
فلمّا رأى صنيعَهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاته وقد سمع الذي أخبرهم، فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: والذي نفسي بيده، إنكم لتضربونه إذا صدَقَ، وتتركونه إذا كذب! قالوا: فإنه يحدّثنا أنّ قريشًا قد جاءت، قال: فإنه قد صدق؛ قد خرجت قريش تجير رِكابها، فدعا الغلام فسأله فأخبره بقريش، وقال: لا عِلْمَ لي بأبي سفيان، فسأله: كم القوم؟ فقال: لا أدري؛ والله هم كثير عددهم، فزعموا أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: مَنْ أطعمهم أوّل مِنْ أمس؟ فسمّى رجلًا أطعمهم، فقال: كم جزائر نَحرَ لهم؟ قال: تسع جزائر، قال: فَمَنْ أطعمهم أمس؟ فسمّى رجلًا، فقال: كم نحر لهم؟ قال: عشر جزائر، فزعموا أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: القومُ ما بين التسعمئة إلى الألف. فكان نَفْرة قريش يومئذ خمسين وتسعمئة.
فانطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل الماء وملأ الحِياضَ، وصفّ عليها أصحابه، حتى قدم عليه القوم، فلمّا ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا قال: هذه مصارعُهم؛ فوجدوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد سبقهم إليه ونزل عليه. فلمّا طلعوا عليه زعموا أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: هذه قريش قد جاءت بجلَبتها وفخرها؛ تحادُّك وتُكذّبُ رسولك! اللهمّ إني أسألك ما وعدتني.
فلما أقبلوا استقبلهم، فحثَا في وجوههم التراب؛ فهزمَهم الله، وكانوا قبل