يحرّضهم؛ فلمّا أصبح - وذلك يومَ الأربعاء - خرج بالنَّاس فاستقبلتهم ريحٌ شديدة وغبرة، فصاحَ الناس إليه، فقالوا: نُنْشدُك الله أن تخرج بنا في هذا اليوم، فإنّ الريح علينا! فأقام بهمْ ذلك اليوم، وأراد شبيبٌ قتالهم، وخرجَ أصحابُه، فلمَّا رآهم لم يَخرجُوا إليه أقام، فلمَّا كان ليلة الخميس خرج عثمانُ فعبَّى الناسَ على أرباعِهم، فجعل كلّ رُبْع في جانب العسكر، وقال لهم: اخرُجوا على هذه التعبية، وسألهم: من كان على ميمنتكم؟ قالوا: خالدُ بن نَهيك بن قيس الكِنْديّ، وكان على ميسرتنا عَقِيل بنُ شدَّاد السَّلوليّ، فدعاهما فقال لهما: قفا مواقفكما الَّتي كنتما بها، فقد ولَّيتكما المجنَّبتين، فاثبتا ولا تَفِرّا، فوالله لا أزول حتَّى يزول نَخْل راذان عن أصوله، فقالا: ونحن واللهِ الَّذي لا إله إلا هو لا نَفِرّ حتَّى نظفر أو نُقتل، فقال لهما: جزاكما اللهُ خيرًا، ثمّ أقام حتَّى صلَّى بالناس الغداة، ثمّ خرج فجعل ربْع أهلِ المدينة تميم وَهمْدان نحوَ نهر حَوْلايا في الميسَرة، وجعل ربع كِندة وربيعة ومَذَحج وأسَد في الميمنة، ونزل يمشي في الرّجال، وخرج شبيب وهو يومئذ في مئة وأحد وثمانين رجلًا فقطع إليهم النَّهر، فكان هو في ميمنة أصحابه، وجعل على ميسرته سُوَيد بن سُليم، وجعل في القلب مصاد بن يزيدَ أخاه، وزحفوا وسما بعضُهم لبعض (١). (٦/ ٢٥١ - ٢٥٣).
قال أبو مخنف: فحدّثني النّضر بنُ صالح العبسيّ أن عثمان كان يقول فيُكثر: {لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}، أين المحافظون على دينهم، المحامون عن فيئهم! فقال عَقيل بن شَدّاد بن حُبْشي السَّلُوليّ: لعلّي أن أكون أحدَهم قتِل أولئك يومَ رُوذْبار، ثم قال شبيب لأصحابه: إني حاملٌ على ميسرتهم ممَّا يلي النهر، فماذا هزمتُها فليحمِل صاحبُ ميسرتي على ميمنتهم، ولا يبرح صاحب القلب حتى يأتيَه أمري، وحمل في ميمنة أصحابه ممَّا يلي النَّهر على ميسرة عثمانَ بن قَطن فانهزموا، ونزل عقيل بنُ شدّاد فقاتل حتَّى قُتِل، وقُتل يومئذ مالكُ بنُ عبد الله الهمْدانيّ ثمّ المُرْهبيّ، عمّ عيَّاش بن عبد الله بن عيَّاش المَنْتوف، وجعل يومئذ عَقيل بن شَدّاد يقول وهو يُجالِدهم: