لنا ولكم، فإن رأيتم أن تُوادِعونا حتَّى تمضي هذه الأيَّام فافعلوا، فقال له عبدُ الرحمن: نعم، ولم يكن شيء أحبّ إلى عبدِ الرحمن من المطاولة والموادعة، قال: وكتب عثمان بنُ قَطَن إلى الحجَّاج:
أمَّا بعد، فإني أخبِر الأميرَ أصلَحه الله أنّ عبد الرحمن بن محمَّد قد حفَر جُوخَى كلَّها خَندَقًا واحدًا، وخَلّى شبيبًا وكسر خراجها وهو يأكل أهلَها، والسلام.
فكتب إليه الحجَّاج:
أمَّا بعد، فقد فهمتُ ما ذكرتَ لي عن عبد الرحمن، وقد لَعَمري فعل ما ذكرت، فسِرْ إلى الناس فأنتَ أميرُهم، وعاجِل المارقةَ حتَّى تلقاهم، فإن الله - إن شاء الله - ناصِرُك عليهم والسلام.
قال: وبعث الحجَّاج إلى المدائن مطرّف بن المغيرة بن شعبة، وخرج عثمان حتى قدِم على عبد الرحمن بن محمَّد ومَنْ معه من أهل الكوفة وهم مُعسكرون على نهر حَوْلايا قريبًا من البت، عشيَّة الثلاثاء، وذلك يوم التَّروية، فنادى الناس وهو على بغلة: أيّها الناس، اخرجوا إلى عدوّكم، فوثب إليه الناس، فقالوا: نُنْشِدك اللهَ، هذا المساءَ قد غُشينا، والناس لم يُوطِّنوا أنفسهم على القتال، فبت اللَّيلة ثمّ اخرج بالناس على تعبية. فجعل يقول: لأناجزَنَّهم، ولتكوننّ الفرصة لي أوْلهم، فأتاهم عبد الرحمن فأخذ بعنان دابَّته، وناشده الله لمّا نزل، وقال له عقيلُ بنُ شدّاد السَّلُوليّ: إن الَّذي تريد من مُناجَزتهم الساعةَ أنت فاعلُهُ غدًا، وهو غدًا خيرٌ لك وللناس، إن هذه ساعة ريح وغُبرة، وقد أمسيت فانزل، ثمّ أبكِرْ بنا إليهم غُدْوةً، فنزل، فَسفت عليه الريح، وشَقّ عليه الغُبارُ، ودعا صاحب الخراج العُلُوج فبَنوا له قُبَّةً فَبات فيها، ثمّ أصبح يومَ الأربعاء، فجاء أهلُ البتّ إلى شبيب - وكان قد نزل ببيعَتهم - فقالوا: أصلحَك الله! أنت ترحم الضعفاء وأهلَ الجِزْية، ويكلّمك مَنْ تلي عليه، ويَشكون إليك ما نزل بهم فتنظر لهم، وتكفّ عنهم، وإنّ هؤلاء القوم جبابرة لا يُكلّمون ولا تقْبَلون العُذْر، والله لئن بَلغهم أنَّك مقيم في بِيعتنا لَيقتلنّنا إن قُضي لك أن تَرتَحِل عنَا، فإن رأيتَ فانزل جانبَ القَرْية ولا تجعل لهم علينًا مقالًا، قال: فإني أفعل ذلك بكم، ثمّ خرج فنزل جانبَ القَرْية، قال: فباتَ عثمان ليلتَه كلَّها