للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّفَر، فلا تلقهم وأنت تستطيع إلا في تعبيةٍ أو في خندق، ثمّ إنه ودّعه، فقال له الجَزْل: هذه فرَسي الفُسَيْفِساء، خُذْها فإنَّها لا تجارَى، فأخَذَها ثمّ خرج بالناس نحو شبيب، فلمَّا دنا منه ارتفع عنه شبيبٌ إلى دَقُوقاء وشَهْرَزُور، فخرج عبد الرحمن في طلبه، حتَّى إذا كان على التخوم أقام، وقال: إنَّما هو في أرض المَوْصِل، فليقاتِلوا عن بلادهم أو ليَدَعوه، فكتب إليه الحجَّاج بنُ يوسف:

أمّا بعد، فاطلب شبيبًا واسلُكْ في أثَرِه أين سَلَك حتَّى تُدرِكَه فتقتله أو تَنفِيَه، فإنَّما السلطان سلطانُ أميرِ المؤمنين والجندُ جندُه، والسلام.

فخرج عبدُ الرحمن حين قرأ كتابَ الحجَّاج في طلب شبيب، فكان شبيبٌ يدَعه حتى إذا دنا منه بيَّنه، فيجده قد خندق على نفسه وحَذِر، فيمضي ويَدَعُه، فيتبعه عبد الرحمن، فإذا بلغه أنَّه قد تحمّل وأنَّه يسير أقبل في الخيل، فإذا انتهى إليه وجَده قد صَفَّ الخيل والرّجال وأدنى المرامية، فلا يصيبُ له غِرّة ولا له عِلَّة، فيمضي ويدعه.

قال: ولمَّا رأى شبيب أنَّه لا يصيب لعبد الرحمن غِرّةً ولا يصل إليه، جعل يَخرُج إذا دنا منه عبد الرحمن في خيله، فينزل على مسيرةِ عشرِين فرسخًا، ثمّ يقيم في أرض غليظة حَزْنة، فيجيء عبد الرحمن، فإذا دنا من شبيب ارتحل شبيب فسار خمسةَ عشرَ أو عشرين فرسخًا، فنزل منزلًا غليظًا خَشِنًا، ثم يقيم حتَّى يدنوَ عبد الرحمن (١). (٦/ ٢٤٨ - ٢٥١).

قال أبو مخنف: فحدّثني عبد الرحمن بن جُندب أنّ شبيبًا كان قد عَذّب ذلك العسكرَ وشقّ عليهم، وأحفى دوابَّهم، ولَقُوا منه كل بلاء، فلم يزل عبد الرحمن يتَّبعه حتَّى مرّ به على خانِقين ثمّ على جلولاء ثم على تامرا، ثمّ أقبَل حتَّى نزل البتّ - قرية من قُرَى المَوْصل على تُخوم المَوْصِل، ليس بينها وبين سواد الكوفة إلّا نهر يسمَّى حَولايا - قال: وجاء عبدُ الرحمن بنُ محمَّد بن الأشعث حتَّى نزل في نهر حولايا وفي راذان الأعلى من أرض جُوخَى، ونزل عَواقيل من النَّهر، ونزلها عبدُ الرحمن حيث نزلها وهي تُعجِبه، يرى أنَّها مثل الخندق والحصن، قال: وأرسل شبيب إلى عبد الرحمن: إنّ هذه الأيام أيامُ عيدٍ


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>