وكان سبب ذلك فيما ذَكر هشام عن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن جندَب وفَرْوة بن لَقِيط، أنّ شبيبًا لمَّا هزم الجيشَ الَّذي كان الحجَّاج وجَّهَه مع عبد الرحمن بن محمَّد بن الأشعث إليه، وقتَل عثمان بن قطن، وذلك في صَيْف وحرّ شديد، واشتدّ الحرّ على أصحابه، فأتَى ماه بَهْزاذان فتصيَّف بها ثلاثة أشهر، وأتاه ناسٌ كثير ممَّن يطلب الدُّنيا فَلِحقُوا به، وناس ممَّن كان الحجَّاج يَطلبهم بمال أو تِباعات؛ كان منهم رجلٌ من الحيّ يقال له الحرّ بنُ عبد الله بن عَوْف، وكان دِهْقانان من أهل نهر دَرْقيط قد أساءَا إليه وضَيّقَا عليه، فشَدَّ عليهما فقتَلهما، ثم لَحِق بشبيب فكان معه بماه. وشَهِد معه مواطنَه حتَّى قُتل، فلمَّا آمن الحجَّاجُ كل مَنْ كان خَرَج إلى شبيب من أصحاب المال والتِّباعات - وذلك بعد يوم السَّبَخة - خرج إليه الحرّ فيمن خرج، فجاء أهلُ الدّهقانَين يَستعدُون عليه الحجَّاج، فأتِيَ به فدخل. وقد أوصى ويئِس من نفسه، فقال له الحجَّاج: يا عدوَّ الله، قتلتَ رَجُلين من أهل الخراج! فقال له: قد كان أصلَحك الله ما هو أعظم من هذا، فقال: وما هو؟ قال: خروجي من الطاعة وفراق الجماعة، ثمّ آمنتَ كلَّ من خرج إليك، فهذا أماني وكتابُك لي، فقال له الحجَّاج: أوْلى لك! قد لَعَمري فعلتُ، وخَلَّى سبيلَه.
قال: ولمَّا انفسخ الحَرّ عن شبيب خرج من ماه في نحو من ثمانمئة رجل، فأقبل نحو المَدائن وعليها مُطرّف بن المغيرة بن شُعْبة، فجاء حتَّى نزل قناطرَ حُذيفة بن اليمَان، فكتب ماذرواسب عظيم بابل مهروذ إلى الحجَّاج:
أمَّا بعد: فإني أخبر الأميرَ - أصلَحهُ الله - أنّ شبيبًا قد أقبل حتى نزل قناطر حُذَيفة، ولا أدري أين يُريد!
فلمَّا قرأ الحجَّاج كتابَه قام في الناس فحَمِد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
أيها الناس، والله لتقاتِلُنّ عن بلادكم وعن فَيْئكم أو لأبعثنّ إلى قوم هم أطوع وأسمَع وأصبرُ على اللأواء والغيظ منكم، فيقاتلون عدوَّكم، ويأكلون فيئكم.
فقام إليه الناس من كلّ جانب، فقالوا: نحن نُقاتِلُهم ونُعتِب الأميرَ، فليندبنا الأميرُ إليهم، فإنَّا حيث سَرّه، وقام إليه زُهْرة بن حَويّة وهو شيخ كبيرٌ لا يستتمّ