قائمًا حتَّى يؤخَذ بيَدِه، فقال له: أصلح اللهُ الأميرَ! إنَّك إنَّما تَبعَث إليهم الناسَ متقطِّعين، فاستنفِر الناسَ إليهم كافةً فلينفَروا إليهم كافَّة، وابعثْ عليهم رجلًا ثَبْتًا شُجاعًا مجرّبًا للحرب ممَّن يرى الفِرارَ هَضْمًا وعارًا والصبرَ مجدًا وكرمًا، فقال الحجَّاج: فأنت ذاك فاخرج، فقال: أصلح الله الأميرَ! إنما يصلح للناس في هذا رجل يَحْمِل الرمح والدّرع، ويهزّ السيفَ ويَثبت على مَتن الفرس، وأنا لا أطيق من هذا شيئًا، وقد ضعف بصري وضعفتُ، ولكن أخْرجني في الناس مع الأمير، فإني إنما أثبت على الراحلة، فأكون مع الأمير في عسكره وأشيرُ عليه برأيي، فقال له الحجَّاج: جزاك الله عن الإسلام وأهلِه في أوّل الإسلام خيرًا، وجزاك اللهُ عن الإسلام في آخرِ الإسلام خيرًا، فقد نصحت وصدقتَ، أنا مُخْرِجُ الناسَ كافَّة، ألا فسيروا أيّها الناس. فانصرف الناسُ فجعلوا يَسيرون وليس يَدرون مَنْ أميرُهم!
وكتب الحجَّاج إلى عبد الملك بن مروان:
أمَّا بعد، فإني أخبِر أميرَ المؤمنين أكرَمه الله أنّ شبيبًا قد شارف المدائن وإنَّما يريد الكوفَة، وقد عجز أهلُ الكوفة عن قتاله في مواطن كثيرة، في كلها يقتُلُ أمراءَهم، ويَفُلّ جنودهم؛ فانْ رأى أميرُ المؤمنين أن يبعثَ إلى أهل الشأم فيُقاتِلوا عدوَّهم ويأكلوا بلادَهم فلْيَفعل، والسلام.
فلمَّا أتى عبدَ الملك كتابُه بعث إليه سُفْيان بن الأبرد في أربعة آلاف، وبعث إليه حبيبَ بنَ عبد الرحمن الحكَميّ، من مَذْحج في ألفين، فسَرَّحهم حين أتاه الكتاب إلى الحجَّاج، وجعل أهل الكوفة يتجهّزون إلى شبيب ولا يدرون من أميرُهم! وهم يقولون: يبعث فلانًا أو فلانًا، وقد بعث الحجَّاج إلى عتَّاب بن ورْقاء ليأتيَه وهو على خَيْل الكوفة مع المهلَّب، وقد كان ذلك الجيش من أهل الكوفة هم الَّذين كان بِشْر بن مروانَ بعث عبد الرحمن بن مخنَف عليهم إلى قطريّ، فلم يلبث عبدُ الرحمن بن مِخنفَ إلّا نحوًا من شهرين حتَّى قدم الحجَّاج على العراق، فلم يلبثْ عليهم عبدُ الرحمن بنُ مخنف بعد قدوم الحجَّاج إلا رَجبَ وشعبان، وقتل قطريٌّ عبدَ الرحمن في آخرِ رمضان، فبعث الحجَّاج عتَّاب بنَ ورقاءَ على ذلك الجيش من أهل الكوفة الَّذين أصيب فيهم عبدُ الرحمن بنُ مخنف، وأمر الحجَّاجُ عَتَّابًا بطاعة المهلَّب، فكأنّ ذلك قد كَبُر