وشمالًا، فقال له عمَّار بنُ يزيدَ الكلبيُّ مِن بني المدينة: أصلَحَك الله! إنّ عبدَ الرحمن بن محمَّد قد هَرَب عنك فانَصفق معه أناسٌ كثير، فقال له: قد فرّ قبل اليوم، وما رأيتُ ذلك الفتى يُبالي ما صنع، ثمّ قاتلهم ساعة، وهو يقول: ما رأيتُ كاليوم قطّ مَوْطنًا لم أبْتَلَ بمثله قط أقلّ مقاتلًا ولا أكثر هارِبًا خاذلًا؛ فرآه رجلٌ من بني تغلِب من أصحاب شبيب من بني زيد بنِ عمرو يقال له عامر بن عمرو بن عبد عمرو، وكان قد أَصابَ دمًا في قومه، فلحِق بشبيب، وكان من الفُرسان، فقال لشبيب: والله إني لأظنّ هذا المتكلِّم عَتَّابَ بنَ وَرْقاء! فحَمل عليه فطعَنه، فوَقَع فكان هو وليَ قتلهُ، ووطِئَتِ الخيل زُهرة بن حَوِيَّة، فأخذ يَذُبّ بسيفه وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يقومَ، فجاء الفضلُ بنُ عامر الشَّيبانيّ فقَتله، فانتهى إليه شبيب فوجَده صريعًا فعرَفه، فقالى: مَنْ قَتَل هذا؟ فقال الفضل: أنا قتلتُه، فقال شبيب: هذا زهْرة حَوِيّة، أما والله لئن كنتَ قتِلت على ضلالة لربَّ يوم من أيَّام المسلمين قد حَسُن فيه بلاؤك، وعظم فيه غَثاؤكَ! ولربّ خيلٍ للمشركين قد هزمْتَها، وسَرِيَّة لهم قد ذعرتها وقرية من قراهم جَمّ أهلُها قد افتتحتَها، ثم كان في علم الله أن تُقتَل ناصرًا للظَّالمين! (١)(٦/ ٢٦٣ - ٢٦٦).
قال أبو مخنَف: فحدّثني فَرْوة بنُ لقَيط قال: رأيناه واللهِ توجَّعَ له، فقال رجل من شُبَّان بكر بن وائل: والله إن أمير المؤمنين منذ اللَّيلة ليتوجَّع لرجل من الكافرين! قال: إنَّك لستَ بأعرف بضلالتهم منّي، ولكني أعرف من قديم أمرهم ما لا تعرف؛ ما لو ثبتوا عليه كانوا إخوانًا، وقُتِل في المعركة عمَّار بن يزيدَ الكلبيّ، وقُتل أبو خَيثمة بن عبد الله يومئذ، واستَمكن شبيبٌ من أهل العسكر والناس، فقال: ارفعوا عنهم السيف، ودعا إلى البيعة، فبايعه الناس من ساعتهم، وهربوا من تحت ليلتهم، وأخذ شبيب يُبايعهم، ويقول: إلى ساعة يَهْرُبُون وحوى شبيب على ما في العسكر، وبعث إلى أخيه، فأتاه من المدائن، فلمَّا وافاه بالعسكر أقبلَ إلى الكوفة وقد أقام بعسكره ببيت قرّة يومين، ثم توجَّه نحو وجه أهلِ الكوفة، وقد دخل سُفْيان بنُ الأبرد الكلبيّ وحبيب بن عبد الرحمن الحكميّ من مَذْحِج فيمن معهما من أهل الشام الكوفة، فشَدّوا للحَجَّاج ظهرَه، فاستغنى بهما عن أهل الكوفة، فقام على منبر الكوفة فحَمِد الله