له الحجَّاج: احذَر بياتَه، وحيثما لقيتَه فنازِله، فإن الله قد فَلَّ حَدَّه، وقصم نابَه، فخرج حبيبٌ بنُ عبد الرحمن في أثر شبيب حتَّى نزل الأنبار، وبعث الحجَّاج إلى العمَّال أن دُسُّوا إلى أصحاب شبيب أنّ مَنْ جاءنا منهم فهو آمِن؛ فكان كلّ من ليست له تلك البصيرة ممَّن قد هدّه القتال يجيء فيؤمَّن، وقبل ذلك ما قد نادى فيهم الحجَّاج يومَ هُزِموا: إنّ من جاءنا منكم فهو آمِن، فتفرّق عنه ناس كثير من أصحابه، وبلغ شبيبًا مَنْزلُ حبيب بنِ عبد الرحمن الأنبارُ، فأقبلَ بأصحابه حتَّى إذا دنا من عسكرِهم نزَل فصلَّى بهم المغرب (١). (٦/ ٢٧٦ - ٢٧٧).
قال أبو مِخنَف: فحدّثني أبو يزيدَ السكسَكيّ، قال: أنا والله في أهل الشام ليلةَ جاءنا شبيب فبيَّتنَا، قال: فلمَّا أمسيْنَا جمعَنا حبيبُ بنُ عبد الرحمن فجعَلنا أرباعًا، وقال لكل رُبْعِ منا: ليُجْزِئ كلّ رُبْع منكم جانبَه، فإن قاتل هذا الرّبع فلا يُغثهم هذا الرّبْع الآخر، فإنه قد بلغني أنّ هذه الخوارج منَّا قريب، فوطِّنوا أنفسَكم على أنَّكم مبَيَّتون ومقاتَلون؛ فما زِلنا على تعِبيتنَا حتَّى جاءنا شبيب فبيَّتنا فشدَّ على رُبْع منَّا، عليهم عثمانُ بنُ سعيد العذريّ فضاربهم طويلًا، فما زالتْ قدمُ إنسان منهم، ثمّ تركهم وأقبلَ على الرّبْع الآخر، وقد جعل عليهم سعد بن بجل العامريّ فقاتلهم، فما زالت قدم إنسان منهم، ثمّ تركهم وأقبَل على الرّبع الآخر وعليهم النعمان بن سَعْد الحميريّ فما قدر منهم على شيء، ثمّ أقبل على الربع الآخرَ وعليهم ابنُ أقيصر الخَثْعْميّ فقاتلهم طويلًا، فلم يَظفر بشيء ثم أطاف بنا يحمل علينا حتى ذهب ثلاثة أرباع اللَّيل، وألزّ بنا حتى قلنا، لا يُفارِقنا، ثم نازلنا راجلًا طويلًا، فسقطتْ والله بيننا وبينهم الأيدي وفُقئت الأعيُن وكثرت القتلى قتلنا منهم نحوًا من ثلاثين، وقتلوا منَّا نحوًا من مئة، والله لو كانوا فيما نرى يزيدون على مئة رجل لأهلَكونا، وايمُ الله على ذلك ما فارَقونا حتَّى مَلِلناهم وملُّونا، وكرِهونا وكرهناهم.
ولقد رأيت الرجل منَّا يضرب بسيفه الرجل مِنهم فما يضرّه شيء من الإعياء والضّعف، ولقد رأيت الرجل منَا يقاتل جالسًا يَنْفح بسَيْفه ما يستطيع أن يقوم من