قال هشام، عن أبي مِخنَف: قال: حدّثني أبو يزيدَ السَّكْسَكيّ، قال: أقفَلنا الحَجّاج إليه - يعني إلى شبيب - فقسَّم فينا مالًا عظيمًا، وأعطى كل جريح منا وكل ذي بلاء، ثمّ أمر سفيان بن الأبرد أن يسير إلى شبيب، فتجهّز سُفيان، فشقّ ذلك على حبيب بن عبد الرحمن الحكميّ، وقال: تبعث سُفْيان إلى رجل قد فللته وقتلت فُرسانَ أصحابِه! فأمضى سفيان بعدَ شهرين، وأقام شبيب بكِرْمان، حتَّى إذا انجبر واستراش هو وأصحابُه أقبل راجعًا، فيستقبله سُفْيان بجِسْر دُجيل الأهواز، وقد كان الحجَّاج كتب إلى الحَكَم بن أيّوب بن الحكَم بن أبي عَقيل، وهو زوج ابنة الحجَّاج وعامله على البَصْرة.
أما بعد، فابعثْ رجلًا شَجاعًا شريفًا من أهل البصْرة في أربعة آلاف إلى شبيب، ومُرْه فلْيَلْحق بسُفْيان بن الأبرد، وليَسْمع له وليُطعْ.
فبعث إليه زياد بن عمرو العَتكيّ في أربعة آلاف، فلم ينته إلى سُفيان حتى التقى سُفْيان وشبيب، ولمَّا أن التقيا بجِسْر دجيل عبر شبيب إلى سُفيان فوجد سُفْيان قد نزَل في الرجال، وبعث مُهاصِر بن صيفيّ العُذريّ على الخيل، وبعث على ميمنته بشر بن حسان الفِهريّ، وبعث على ميسرته عمر بن هُبيرة الفزاريّ، فأقبل شبيب في ثلاثة كراديسَ من أصحابه، هو في كتيبة وسُوَيد في كتيبة، وقَعنَب المُحلّميّ في كتيبة، وخلَّف المحلَّل بن وائل في عسكره، قال: فلمَّا حمل سُويد وهو في ميمنته على ميسرة سُفْيانَ، وقعنسب وهو في ميسرته على ميمنته حَمَل هو على سُفْيان، فاضْطَرَبْنا طويلًا من النهار، حتَّى انحازوا فرجعوا إلى المكان الَّذي كانوا فيه، فكرّ علينا هو وأصحابه أكثرَ من ثلاثين كَرّة، كلّ ذلك لا نزول من صَفّنا، وقال لنا سُفْيان بنُ الأبرد: لا تتفرّقوا، ولكن لِتزحَف الرجالُ إليهم زحفًا، فوالله ما زلْنا نطاعِنُهم ونضاربهم حتَّى اضطررناهم إلى الجِسْر، فلما انتهى شبيب إلى الجِسْر نزل ونزل معه نحو من مئة رجل، فقاتَلْناهم حتى المساء أشدّ قتال قاتله قومٌ قطّ، فما هو إلا أن نزلوا فأوقعوا لنا من الطعن والضّرب شيئًا ما رأينا مِثلَه من قوم قطّ، فلمَّا رأى سفيانُ أنَّه لا تقدِر عليهم، ولا يأمن مع ذلك ظفرهم، دعا الرّماةَ فقال: ارشقُوهم بالنَّبل، وذلك عند المساء، وكان التقاؤهم نصفَ النهار، فرماهم أصحابُ النَّبل بالنَّبل عند