للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المساء، وقد صفَّهم سُفْيان بن الأبرد على حِدَة، وبعث على المُرامِية رجلًا، فلمَّا رشقوهم بالنَّبل ساعةً شدّوا عليهم، فلمَّا شدّوا على رُماتنا شدَدْنا عليهم، فشغَلْناهم عنهم، فلما رموا بالنَّبل ساعةً ركب شبيب وأصحابُه ثمّ كَرُّوا على أصحاب النَّبل كرّةً صُرع منهم أكثرُ من ثلاثين رجلًا، ثمّ عطف بخَيْله علينا، فمشى عامدًا نحونا؛ فطاعَنَّاه حَتَّى اختَلط الظلام، ثمّ انصَرَف عنا، فقال سُفيان لأصحابه: أيُّها الناس، دَعُوهم لا تتَّبعوهم حتى نُصبِّحهم غُدْوة، قال: فكَفَفنَا عنهم وليس شيء أحبّ إلينا من أن ينصرفوا عنّا (١). (٦/ ٢٧٩ - ٢٨٠).

قال أبو مخنف: فحدّثني فَروة بنُ لقيط، قال: فما هو إلّا أن انتهَينا إلى الجِسْر، فقال: اعبرُوا معاشرَ المسلمين، فإذا أصبَحْنَا باكَرْناهم إن شاء الله، فعَبرْنا أمامَه، وتخلَّف في أخرانا، فأقبل على فرسه، وكانت بين يديه فرس أنثى ماذيانة، فنزا فرسُه عليها وهو على الجسر فاضطربت الماذيانة، ونزل حافرُ رجل فرس شبيب على حرف السفينة، فَسَقط في الماء، فلمَّا سَقَط قال: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} فارتمس في الماء ثمّ ارتَفَع فقال: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (٢). (٦/ ٢٨٥).

قال أبو مخنَف: فحدثني أبو يزيد السَّكْسكيّ بهذا الحديث - وكان ممَّن يقاتله من أهل الشام، وحدّثني فروة بنُ لقيط، وكان ممَّن شهد مواطنَه - فأمَّا رجل من رهطه من بني مُرّة بن هَمَّام فإنَّه حدّثني أنه كان معه قومٌ يقاتلون من عشيرته، ولم يكن لهم تلك البصيرةُ النافذة، وكان قد قتل من عشائرهم رجالًا كثيرًا، فكأن ذلك قد أوجع قلوبَهم، وأوغَرَ صدورَهم؛ وكان رجلٌ يقال له مُقاتل من بني تيم بن شَيْبان من أصحاب شبيب، فلمَّا قتل شبيبٌ رجالًا من بني تَيم بن شيبانَ أغار هو على بني مُرّة بن هَمَّام فأصاب منهم رجلًا، فقال له شبيب: ما حَمَلك على قَتلِهم بغيرِ أمري! فقال له: أصلحك الله! قتلتُ كفَّار قومي، وقتلتَ كفَّار قومك، قال: وأنت الوالي عليّ حتَّى تقطع الأمور دُونِي! فقال: أصلَحك الله! أليس من دِيننا قتل مَنْ كان على غير رأينا، منَّا كان أو مِنْ غيرِنا! قال: بلى،


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.
(٢) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>