ونحن ثلاثة، وهم شاكّون في السلاح، ونحن ليس علينا إلا سيوفنا فلما دَنوا قال سُوَيد: السَّلام على من خاف مقام ربه وعرفَ الهُدى وأهلَه، فقال له مطرّف: أجَلْ، فسلَّم الله على أولئك، ثم جلس القومُ، فقال لهم مطرّف: قُصّوا عليّ أمركم، وخبّروني ما الذي تَطلبُون؟ وإلامَ تَدْعون؟ فحمدِ الله سُويدُ بن سُليم وأثنى عليه ثمّ قال: أمَّا بعد، فإنّ الذي نَدْعو إليه كتاب الله وسنَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّ الذي نقمنا على قومنا الاستئثار بالفَيء وتعطيل الحدود والتسلّط بالجبريّة، فقال لهم مطرّف: ما دعوتم إلا إلى حقّ، ولا نقَمْتم إلا جَوْرًا ظاهرًا، أنا لكم على هذا مُتابع، فتابِعوني إلى ما أدعوكم إليه ليجتمع أمري وأمرُكم، وتكون يدي وأيديكم واحدة، فقالوا: هاتِ، اذكر ما تريد أن تذكُر، فإن يكن ما تدعونا إليه حقًّا نُجبْك؛ قال: فإني أدعوكم إلى أن نقاتل هؤلاء الظَّلمةَ العاصين على إحداثهم الَّذي أَحدثوا، وأن ندعوَهم إلى كتاب الله وسنَّة نبيِّه، وأن يكون هذا الأمر شورى بين المسلمين، يؤمِّرون عليهم من يرضوْن لأنفسهم على مثل الحال التي تركهم عليها عمرُ بنُ الخطَّاب؛ فإنّ العرب إذا علمتْ أنّ ما يراد بالشورَى الرِّضا من قريش رَضُوا، وكثر تبعُكم منهم وأعوانكم على عدوّكم، وتمّ لكم هذا الأمر الَّذي تريدون.
قال: فوثَبوا مِن عنده، وقالوا: هذا ما لا نجيبك إليه أبدًا، فلمَّا مَضوْا فكادوا أن يخرجوا من صُفَّة البيت التفت إليه سُويد بن سليم، فقال: يا بن المغيرة، لو كان القوم عُدَاةً غُدُرًا كنتَ قد أمكنتَهم من نفسك، ففَرع لها مطرّف، وقال: صدقتَ وإله موسى وعيسى.
قال: ورجعوا إلى شبيب فأخبروه بِمقَالته، فطَمع فيه، وقال لهم: إنْ أصبحتم فليأته أحدُكم؛ فلمَّا أصبحوا بعث إليه سُويدًا وأمَرَه بأمره، فجاء سُويد حتَّى انتهى إلى باب مطرّف، فكنتُ أنا المستأذِن له، فلمَّا دخل وجلس أردتُ أن أنصرفَ، فقال لي مطرّف: اجلسْ فليس دونَك سِتر؛ فجلستُ وأنا يومئذ شابّ أغيَد، فقال لِه سويد: من هذا الذي ليس لك دونَه سِتْر؟ فقال له: هذا الشَّريف الحسيب، هذا ابنُ مالك بنِ زُهير بن جَذيمة، فقال له: بَخ أكرمت فارتبِط، إن كان دِينُه على قدْر حسبه فهو الكامل، ثم أقبل عليه فقال: إنَّا لقينا أميرَ المؤمنين بالَّذي ذكرتَ لنا، فقال لنا: القَوْه فقولوا له: ألستَ تعلَم أنّ اختيار المسلمين