منهم خيرَهم لهم فيما يرون رأيٌ رشيد! فقد مضتْ به السنة بعدَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قال لكم: نعم، فقولوا له: فإنا قد اخترنا لأنفسنا أرضانا فينا، وأشدَّنا اضطلاعًا لِمَا حُمِّل، فما لم يغيِّر ولم يُبدّل فهو وليُّ أمرِنا، وقال لنا: قُولوا له فيما ذكرت لنا من الشورى حين قلتَ: إنّ العرب إذا علمتْ أنَّكم إنَّما تريدون بهذا الأمر قُرَيشًا كان أكثر لتبعكم منهم، فإنّ أهلَ الحقّ لا ينقُصُهم عند الله أن يقِلّوا، ولا يزيد الظالمين خيرًا أن يَكثروا، وإن تَرْكنا حقَّنا الَّذي خرجْنا له، ودخولنا فيما دعوتنا إليه من الشورى خطيئةٌ وعَجْز ورُخصة إلى نصر الظالمين ووَهْن، لأنَّا لا نرى أنّ قريشًا أحقّ بهذا الأمر من غيرها من العرب، وقال: فإن زعم أنَّهم أحقّ بهذا الأمر من غيرِها من العرب فقولوا له: ولم ذَاك؟ فإن قال: لقرابة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بهم فقولوا له: فوالله ما كان يَنبغي إذًا لأسلافنا الصالحين من المهاجرين الأوَّلين أن يتولَّوا على أسْرة محمَّد، ولا على ولد أبي لَهَب لو لم يبقَ غيرُهم، ولولا أنَّهم علموا أنّ خيرَ الناس عندَ الله أتقاهم، وأنّ أوْلاهم بهذا الأمر أتْقاهم، وأفضلهم فيهم، وأشدّهم اضطلاعًا بحَمْل أمورهم ما تَولَّوْا أمور الناس، ونحن أوّل من أنكر الظلم وغيَّر الجَوْر وقاتَل الأحزاب، فإن اتَّبَعنا فله ما لنا وعليه ما علَينا، وهو رجلٌ من المسلمين، وإلا يفعلْ فهو كبعضِ من نُعادِي ونُقاتِل من المشركين.
فقال له مطرّف: قد فهمتُ ما ذكرتَ، ارجع يومَك هذا حتَّى ننظرَ في أمرنا.
فرجع ودعا مطرّف رجالًا من أهل ثقاتِهِ وأهلِ نَصائحه، منهم سليمانُ بن حذيفة المُزَنيّ، والرّبيع بنُ يزيدَ الأسَديّ، قال النَّضر بن صالح: وكنتُ أنا ويزيد بن أبي زياد مولَى المغيرة بن شُعْبة قائمينَ على رأسِه بالسَّيف، وكان على حَرَسه فقال لهم مطرّفٌ: يا هؤلاء إنَكم نُصَحائي وأهلُ مودّتي ومَن أثق بصلاحه وحسن رأيه، والله ما زلتُ لأعمال هؤلاء الظَّلَمة كارهًا، أنكِرها بقلبي، وأغيرها ما استَطعتُ بفعلي وأمري، فلمَّا عظمتْ خطيئتُهم، ومرّ بي هؤلاء القوم يجاهدونهم، لم أرَ أنَّه يسعني إلا مناهَضتَهم وخلَافَهم إنْ وجدتُ أعوانًا عليهم، وإني دعوتُ هؤلاء القومَ فقلت لهم كَيْتَ وكَيْت، وقالوا لي كيتَ وكَيت، فلستُ أرى القتالَ معهم، ولو تابَعوني على رأيي وعلى ما وصفتُ لهم لخلعتُ عبدَ الملك والحجَّاج ولسِرْت إليهم أجاهِدهم، فقال له المُزَنيّ: إنَّهم لن