يُتابِعوك، وإنَّك لن تُتابِعَهم فأخْفِ هذا الكلامَ ولا تُظهِرْه لأحد، وقال له الأسَديّ مِثلَ ذلك، فجَثَا مولاه ابن أبي زياد على ركبَتَيْه ثمّ قال: والله لا يخفى ممَّا كان بينك وبينَهم على الحجَّاج كلمة واحدة، ولَيُزادَنّ على كلِّ كلمة عشرة أمثالها، والله أن لو كنتَ في السَّحاب هاربًا من الحجَّاج ليلتمسنّ أن يصل إليك حتَّى يهُلِكك أنتَ ومَنْ معك؛ فالنَّجاءَ النجاء من مكانك هذا، فإنّ أهلَ المدائن من هذا الجانب ومن ذاك الجانب، وأهل عسكر شبيب يتحدّثون بما كان بينك وبين شبيب، ولا تمس من يومِك هذا حتَّى يَبْلُغَ الخبرُ الحجَّاج، فاطلبْ دارًا غيرَ المَدائن، فقال له صاحباه: ما نَرَى الرأي إلا كما ذكر لك، قال لهما مطرّف: فما عندكما؟ قالا: الإجابَة إلى ما دعوْتنا إليه والمؤاساة لك بأنفسِنا على الحجَّاج وغيرِه، قال: ثمّ نظر إليّ، فقال: ما عندَكَ؟ فقلت: قتال عدوِّك والصَّبر معك ما صبرتَ، فقال لي: ذاك الظَّنّ بك.
قال: ومكث حتَّى إذا كان في اليوم الثالث أتاه قعنب فقال له: إنْ تابعتَنا فأنتَ منَّا، وإن أبيت فقد نابذْناك، فقال: لا تَعجَلوا اليومَ فإنا نَنظر.
قال: وبعث إلى أصحابه أن ارحلوا اللَّيلةَ من عند آخِركم حتَّى تُوفُوا الدَّسْكرة معي لحدَث حدث هنالك.
ثم أدلجَ وخرج أصحابُه معه حتَّى مرَّ بدَيْر يَزْدَجِرد فنزله، فلقيه قَبيصةُ بن عبد الرحمن القحافيّ من خثْعم، فدعاه إلى صُحبته، فصَحِبه فكَساه وحمَلَه، وأمَرَ له بنَفقة ثم سَار حتى نزل الدَّسكرة فلمَّا أراد أن يرتحل منها لم يجد بدًّا من أن يعلِمَ أصحابَه ما يريد، فجمع إليه رؤوسَ أصحابِه، فذكر الله بما هو أهلُه وصلّى على رسوله، ثم قال لهم: أمَّا بعد، فإنّ الله كتب الجهاد على خَلْقه، وأمر بالعدل والإحسان، وقال فيما أنزل علينا:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وإني أشهِد الله أني قد خلعتُ عبدَ الملك بنَ مروانَ والحجَاجَ بن يوسف فمن أحبّ منكم صحبتي وكان على مثل رأي فليُتابعْني، فإن له الأسوة وحُسن الصحبة ومن أبى فليذهب حيث شاء، فإني لست أحبّ أن يتَّبعني من ليست له نيَّةٌ في جهادِ أهل الجَوْر. أدعوكم إلى كتاب الله وسنَّة نبيِّه وإلى قِتال الظَّلمة، فإذا جمع الله لنا أمرَنا كان هذا الأمرُ شُورَى بين المسلمين يرتَضون لأنفسهم من أحبُّوا.