أراهم كانوا ينقصُون عن الثلاثمئة، قال: فدعا مطرّف الحجَّاج بن جارية فسَرَّحه إليهم في نحو من عِدّتهم، فأقبَلوا نحوَ القعْقاع وهم جادّون في قتاله، وهم فرسان متعالِمون، فلمَّا رآهم سُويد قد تيسَّروا نحوَ ابنهِ أرسَل إليهم غلامًا له يقال له رُسْتم - قُتل معه بعد ذلك بَدْير الجَماجم - وفي يده رايةُ بني سعد، فانطلق غلامُه حتَّى انتهَى إلى الحجَّاج بن جارية، فأسرَّ إليه: إن كنتم تريدون الخروجَ من بلادنا هذه إلى غيرها فاخرجوا عنَّا، فإنَّا لا نريد قتالَكم، وإن كنتم إيَّانا تريدون فلابدّ من مَنْع ما في أيدينا، فلمَّا جاءه بذلك قال له الحجَّاج بنُ جارية: ائتِ أميرَنا فاذكرْ له ما ذكرتَ لي، فخرج حتى أتى مطرّفًا فذَكر له مِثلَ الَّذي ذكر للحجَّاج بن جارية، فقال له مطرّف: ما أريدكم ولا بلادَكم، فقال له: فالزمْ هذا الطريقَ حتَّى تَخرُج من بلادنا، فإنَّا لا نجد بدًّا من أن يَرَى الناسُ وتَسمع بذلك أنَّا قد خرجْنا إليك، قال: فبعث مطرّف إلى الحجَّاج فأتاه، ولَزِموا الطريقَ حتى مرّوا بالثّنيَّة فإذا الأكرادُ بها، فنزل مطرّف ونزل معه عامَّة أصحابِه وصَعِد إليهم في الجانب الأيمن الحجَّاجُ بنُ جارية، وفي الجانب الأيسر سليمانُ بن حُذَيفة، فهزَماهم وقَتلاهم، وسلِم مطرّف وأصحابُه فمضَوا حتَّى دنَوْا من هَمذان فتركَها وأخذ ذاتَ اليسار إلى ماه دينار، وكان أخوه حمزة بن المغيرة على هَمَذان، فكَره أن يدخلَها فيُتَّهمَ أخوه عند الحجَّاج، فلمَّا دخل مطرّف أرضَ ماه دينار كتب إلى أخيه حمزة:
أمَّا بعد، فإن النَّفقة قد كَثُرت والمؤنة قد اشتدّت، فأمدِد أخاك بما قَدَرت عليه من مال وسلاح.
وبعث إليه يزيدَ بن أبي زياد مولى المغيرة بن شُعبة، فجاء حتَّى دخل على حمزَة بكتاب مطرّف ليلًا، فلمَّا رآه قال له: ثكلتك أمُّك! أنت قتلتَ مطرّفًا؟ فقال له: ما أنا قتلتُه جُعلتُ فِداك! ولكنّ مطرّفًا قتل نفسَه وقتلَني، وليتَه لا يقتلُك، فقال له: وَيْحَك! مَن سَوّل له هذا الأمر! فقال: نفسُه سوّلتْ هذا له، ثمّ جلس إليه فقصّ عليه القصص، وأخبَرَه بالخبر، ودفع كتابَ مطرّف إليه، فقرأه ثمّ قال: نعم، وأنا باعثٌ إليه بمال وسلاح، ولكن أخبرني تَرَى ذلك يَخفَى لي؟ قال: ما أظنّ أن يخفى، فقال له حمزة: فوالله لئن أنا خذلته في أنفع النَّصرَين له نصر العلانية، لا أخذُلُه في أيسر النَّصْرين نصر السَّريرة.
قال: فسرّح إليه مع يزيد بن أبي زياد بمال وسلاح، فأقبل به حتَّى أتى مطرّفًا