وكتب الحجّاج إلى إسحاقَ بن محمد بن الأشعث، وهو على جيش لأهل الكوفة بطَبرستان، أن اسمَع وأطِع لسُفيان، فأقبَلَ إلى سفيان فسار معه في طَلَب قطريّ حتى لحقوه في شِعْب من شِعاب طَبَرِستان، فقاتلوه، فتفرّق عنه أصحابُه، ووقع عن دابته في أسفل الشعب فَتَدَهْدَهَ حتى خرّ إلى أسفله، فقال معاوية بن مِحصن الكنديّ: رأيتُه حيث هَوَى ولم أعرفْه، ونظرت إلى خمس عشرَة امرأةً عربيّة هنّ في الجمال والبَزازة وحُسن الهيئة كما شاء ربُّك، ما عدا عجوزًا فيهنّ، فحملتُ عليهنّ فصرفتهنّ إلى سُفيانَ بن الأبرد.
فلما دنوتُ بهنّ منه انتحتْ لي بسيفها العجوزُ فتَضرِب به عنقي، فقطعَت المِغْفر؛ وقطَعَت جلدةً من حَلْقي، وأختلِج السيف فأضرب به وجهَها، فأصاب قِحفَ رأسِها، فوقعت ميّتةً، وأقبلتُ بالفتياتِ حتى دفعتهنّ إلى سُفيان وإنه ليضحك من العجوز، وقال: ما أردت إلى قتل هذه أخزاهَا الله - فقلت: أوَما رأيتَ أصلحك الله ضربَتها إيّاي! واللهِ إن كادت لتقتلني؛ قال: قد رأيتُ، فوالله ما ألومك على فعلك، أبعَدها الله، ويأتي قطريًّا حيث تَدهدَه من الشعب عِلجٌ من أهل البلد، فقال له قطريّ: اسْقِني من الماء - وقد كان اشتدّ عطشه - فقال: أعطني شيئًا حتى أسقيَك، فقال: وَيْحَك؛ والله ما معي إلا ما ترى من سلاحي، فأنا مُؤتِيكَه إذا أتيتني بماء، قال: لا، بل أعطِنيه الآن، قال: لا، ولكن ائتني بماء قبلُ، فانطلق العِلْج حتى أشرف على قَطَريّ، ثمّ حدر عليه حَجَرًا عظيمًا من فوقه دَهْدَاه عليه، فأصاب إحدى ورِكيه فأوْهته، وصاح بالناس، فأقبلوا نحوَه والعلْجُ حينئذ لا يعرف قَطرِيًّا، غيرَ أنه يظنّ أنه من أشرافهم لحسن هيئته، وكمال سلاحِه، فدفع إليه نفرٌ من أهل الكوفة فابتَدروه فقتلوه، منهم سَوْرة بن أبجر التميميّ، وجعفر بن عيد الرحمن بن مِخنَف، والصباح بن محمّد بن الأشعث، وباذام مولَى بني الأشعث، وعمر بن أبي الصَّلْت بن كنارا، مولَى بني نصر بن معاوية، وهو من الدَّهاقين، فكل هؤلاء ادّعَوا قتلَه، فدفع إليهم أو الجَهْم بن كنانة الكلبيّ - وكلهم يزعم أنه قاتله - فقال لهم: ادفعوه إليّ حتى تصطلحوا، فدفعوه إليه.
فأقبل به إلى إسحاق بن محمد - وهو على أهل الكوفة - ولم يأتِه جعفر لشيء كان بينه وبينه قبل ذلك - وكان لا يكلمه، وكان جعفر مع سُفيان بن الأبرد، ولم