يكن معه إسحاق، وكان جعفر على ربع أهل المدينة بالريّ، فلما مرّ سفيان بأهل الرّيّ انتخب فرسانهم بأمر الحجاج، فسار بهم معه، فلما أتى القومُ بالرأس فاختصموا فيه إليه وهو في يديْ أبي الجَهْم بنِ كنانة الكلبيّ، قال له: امضِ به أنت، ودَعْ هؤلاء المختلفِين، فخرج برأس قَطَريّ حتى قدم به على الحجّاج، ثمّ أتى به عبد الملك بن مروان، فألحِق في ألفين، وأعطي فطما - يعني أنه يفرض للصِّغار في الدّيوان، وجاء جعفر إلى سُفْيان فقال له: أصلحك الله! إن قَطَريًّا كان أصاب والدي فلم يكن لي همّ غيره، فاجمع بيني وبين هؤلاء الذين ادّعَوا قتلَه، فسَلْهم، ألم أكن أمامهم حتى بدرتُهم فضربتُه ضربةً فصرعتُه، ثمّ جاؤوني بعد، فأقبلوا يضربونه بأسيافهم! فإن أقرّوا لي بهذا فقد صَدَقوا، وإن أبَوا فأنا أحلف بالله أني صاحبه، وإلا فليحلفوا بالله أنهم أصحابه الذين قتلوه، وأنهم لا يعرفون ما أقول، ولا حق لي فيه، قال: جئت الآن وقد سرّحنا بالرأس، فانصرَف عنه فقال له أصحابه: أما والله إنك لأخلق القوم أن تكون صاحبه.
ثمّ إنّ سُفيانَ بنَ الأبرد أقبل منصرفًا إلى عسكر عبيدة بن هلال، وقد تحصّن في قصر بقُومِسَ، فحاصره فقاتلَه أيامًا، ثمّ إنّ سُفيان بن الأبرد سار بنا إليهم حتى أحَطْنا بهم، ثمّ أمر منَاديَهُ فنادى فيهم: أيّما رجل قتل صاحبَه لمّ خرج إلينا فهو آمن؛ فقال عبيدة بن هلال:
لَعَمري لقد قام الأَصَمُّ بخطبةٍ ... لذي الشَّكّ منها في الصُّدُورِ غَليلُ
إلى الله أَشكو ما ترى بِجيادِنا ... تساوَك هزلى مُخّهنَّ قليلُ
تعاوَرَها القُذَّافُ مِن كلّ جانبٍ ... بقُومِسَ حتى صَعْبهُنَّ ذَلولُ
فإِنْ يكُ أَفناها الحِصارُ فرُبّما ... تشَحَّطَ فيما بينهنَّ قتيلُ
وقد كنَّ ممّا إِن يُقَدْنَ على الوَجَى ... لهنَّ بأبوابِ القِبابِ صَهيلُ
فحاصرَهم حتى جهدوا وأكلوا دوابَّهم، ثمّ إنهم خرجوا إليه فقاتَلوه، فقتلهم وبعث برؤوسهم إلى الحجّاج، ثمّ دخل إلى دُنباوَنْد وطَبَرِسْتان، فكان هنالك حتى عزلَه الحجّاج قبل الجَماجم. (٦/ ٣٠٨ - ٣١١).