وحرصَ عليه، ورغب فيه وعرَف فضله، ورجَا بركتَه، وصدق الرّواية فيه، وحمد الله إذ جعل في ذريّته مثل ما سألت الأنبياء قبله؛ إذ قال العبد الصالح: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (١) فوهب الله لأمير المؤمنين وليًّا، ثم جعله تقيًّا مباركًا مهديًّا، وللنبيّ - صلى الله عليه وسلم - سميًّا، وسلب مَن انتحل هذا الاسم، ودعا إلى تلك الشبهة التي تحيّر فيها أهلُ تلك النية، وافتتن بها أهلُ تلك الشقوة، فانتزع ذلك منهم، وجعل دائرة السوْء عليهم، وأقرّ الحق قراره، وأعلن للمهديّ مناره، وللدين أنصارَه، فأحبّ أمير المؤمنين أن يعلمك الذي اجتمع عليه رأي رعيّتِه؛ وكنتَ في نفسه بمنزلة ولدِه، يحبّ مَنْ سترك ورشدك وزيّنَك ما يحبّ لنفسه وولده، ويرى لك إذا بلغك مِنْ حال ابن عمّك ما تَرى من اجتماع الناس عليه أن يكون ابتداءُ ذلك من قِبَلك، ليعلم أنصارنا من أهل خُراسان وغيرهم أنك أسرع إلى ما أحبّوا ممّا عليه رأيُهم في صلاحهم منهم إلى ذلك من أنفسهم، وإنّ ما كان عليه من فضل عرفوه للمهديّ، أو أملوه فيه، كنتَ أحظَى الناس بذلك، وأسرَّهم به لمكانه وقرابَته؛ فاقبل نُصح أمير المؤمنين لك، تصلُح وترشد. والسلام عليك ورحمة الله.
فكتب إليه عيسى بن موسى جوابها:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. لعبد الله عبد الله أمير المؤمنين من عيسى بن موسى. سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله؛ فإنِّي أحَمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد فقد بلغني كتابُك تذكر فيه ما أجمعتَ عليه من خلاف الحقّ وركوب الإثم في قطيعة الرّحِم، ونقض ما أخذ الله عليه من الميثاق من العامة بالوفاء للخلافة والعهد لي من بعدك، لتقطع بذلك ما وصل الله من حَبْله، وتفرّق بين ما ألّف الله جمعَه، وتجمع بين ما فرّق الله أمره، مكابرةً لله في سمائه، وحوْلًا على الله في قضائه، ومتابعة للشيطان في هواه؛ ومَنْ كابر الله صَرعه، ومن نازعه قمعه، ومن ماكَرَه عن شيء خدعه، ومَنْ توكل على الله منعه، ومَنْ تواضع لله رفعه. إنّ الذي أسِّس عليه البناء، وخُطّ عليه الحِذاء من الخليفة الماضي عهدٌ لي من الله، وأمرٌ نحن فيه سواء؛ ليس لأحد من المسلمين