والهند شيء أنفق من الخيل العتاق - ومضوا في البحر حتى صاروا إلى السند، ثم صاروا إلى عمر بن حفص، فقالوا: نحن قوم نخَّاسون، ومعنا خيل عتاق، فأمرهم أن يعرضوا خيلَهم، فعرضوها عليه؛ فلما صاروا إليه، قال له بعضهم: أدنني منك أذكر لك شيئًا، فأدناه منه، وقال له: إنَّا جئناك بما هو خير لك من الخيل، وما لك فيه خير الدنيا والآخرة، فأعطِنا الأمان على خَلَّتين: إما أنك قبلت ما أتيناك به، وإما سترت وأمسكت عن أذانا حتى نخرج من بلادك راجعين. فأعطاهم الأمان، فقالوا: ما للخيل أتيناك؛ ولكن هذا ابنُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن، أرسله أبوه إليك، وقد خرج بالمدينة، ودعا لنفسه بالخِلافة، وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة وغلب عليها، فقال: بالرَّحب والسعة، ثم بايعهم له، وأمر به فتوارى عنده، ودعا أهل بيته وقوادَه وكبراء أهل البلد للبيْعة، فأجابوه، فقطع الأعلام البيض والأقبِيَة البِيض والقلانس البيض، وهيّأ لبسته من البياض يصعد فيها إلى المنبر، وتهيأ لذلك يوم خميس؛ فلما كان يوم الأربعاء إذا حَرّاقة قد وافت من البضرة، فيها رسول لخُلَيْدة بنت المُعارِك - امرأة عمر بن حفص - بكتاب إليه تخبره بقتل محمد بن عبد الله، فدخل على عبد الله فأخبره الخبر، وعزّاه، ثم قال له: إنّي كنت بايعت لأبيك، وقد جاء من الأمر ما ترى. فقال له: إن أمري قد شُهِر، ومكاني قد عُرف، ودمي في عنقك، فانظر لنفسك أو دعْ. قال: قد رأيت رأيًا؛ ها هنا ملِك من ملوكِ السند، عظيم المملكة، كثير التَّبَع؛ وهو على شركه أشدّ الناس تعظيمًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو رجلٌ وفيٌّ، فأرسِل إليه، فاعقِدْ بينك وبينه عقدًا، وأوجّهك إليه تكون عنده، فلستَ ترام معه. قال: افعل ما شئت؛ ففعل ذلك؛ فصار إليه، فأظهر إكرامه وبَرّه برًّا كثيرًا، وتسللت إليه الزيدية حتى صار إليه منهم أربعمائة إنسان من أهل البصائر؛ فكان يركب فيهم فيصيد ويتنزّه في هيئة الملوك وآلاتهم، فلما قتِل محمد وإبراهيم انتهى خبرُ عبد الله الأشتر إلى المنصور؛ فبلغ ذلك منه، فكتب إلى عمر بن حفص يخبره بما بلغَه، فجمع عمر بن حفص قرابته، فقرأ عليهم كتاب المنصور يخبرهم أنه إن أقرّ بالقصّة لم يُنظره المنصور أن يعزله، وإن صار إليه قتله، وإن امتنع حاربه. فقال له رجل من أهل بيته: ألقِ الذَّنْب عليَّ، واكتب إليه بخبري، وخذني الساعة فقيِّدني واحبسني؛ فإنه سيكتب: احمله إليّ؛ فاحملني إليه، فلم يكن ليقدمَ عليَّ