فقال: إن أمكنني شيء فسيأتيك، قال يَحْيَى: فانصرفتُ وأنا أقول في نفسي: لعن الله كلَّ شيء يأتي من تِيهك وعُجْبك وكبرك! وصرت إلى أبي، فأخبرته الخبر، ثم قلت له: وأراك تثق من عُمارة بن حمزة بما لا يوثق به! قال: فوالله إنِّي لكذلك؛ إذ طلع رسولُ عُمارة بن حمزة بالمائة ألف. قال: فجمعنا في يومين ألفيْ ألف وسبعمائة ألف، وبقيت ثلثمائة ألف بوجودها يتمّ ما سعينا له، وبتعذّرها يبطل. قال: فوالله إنِّي لعلى الجسر ببغداد مارًّا مهمومًا مغمومًا؛ إذ وثب إليّ زاجر، فقال: فرخ الطائر أخبرك! قال: فطويتُه مشغول القلب عنه، فلحقني وتعلَّق بلجامي، وقال لي: أنت والله مهموم، ووالله ليُفرِجَنّ الله همّك، ولتمرّنّ غدًا في هذا الموضع واللواء بين يديك. قال: فأقبلتُ أعجب من قوله. قال: فقال لي: إن كان ذلك فلِي عليك خمسة آلاف درهم؟ قلت: نعم - ولو قال خمسون ألفًا لقلت نعم، لبعد ذلك عندي من أن يكون - قال: ومضيتُ. وورد على المنصور انتقاضُ الموصل وانتشارُ الأكراد بها، فقال مَنْ لها؟ فقال له المسيّب بن زهير - وكان صديقًا لخالد بن برمك: عندي يا أمير المؤمنين رأي، أرى أنك لا تنتصحه؛ وأنك ستلقاني بالردّ، ولكني لا أدَع نصحَك فيه والمشورة عليك به، قال: قل، فلا أستغشّك، قلت: يا أمير المؤمنين ما رميتَها بمثل خالد، قال: ويحك! فيصلح لنا بعد ما أتينا إليه! قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ إنَّما قوَّمتَه بذلك وأنا الضامن عليه، قال: فهو لها والله، فليحضرني غدًا. فأحضِر، فصفح له عن الثلثمائة ألف الباقية، وعقد له.
قال يَحْيَى: ثم مررتُ بالزاجر، فلما رآني قال: أنا ها هنا أنتظرك منذ غُدوة، قلت: امض معي، فمضي معي، فدفعتُ إليه الخمسة الآلاف.
قال: وقال لي أي: أي بُنيّ؛ إنّ عُمارة تلزمه حقوق، وتنوبه نوائب فأتِه، فأقرئه السَّلام، وقل له: إن الله قد وهب لنا رأيَ أمير المؤمنين، وصفح لنا عما بقي علينا، وولّاني الموصل؛ وقد أمر بردّ ما استسلفت منك. قال: فأتيته فوجدته على مثل الحال التي لقيتُه عليه، فسلمت فما ردّ السَّلام عليّ، ولا زادني على أنَّ قال: كيف أبوك؟ قلت: بخير، يقول كذا وكذا، قال: فاستوى جالسًا، ثم قال لي: ما كنتُ إلَّا قسطارًا لأبيك؛ يأخذ مني إذا شاء ويردّ إذا شاء! قمْ عني